تحولت إقامة حفلات التخرج إلى ظاهرة تجتاح المجتمع، وخرجت عن إطار أن تكون مخصصة لتخرج الطالب في جامعته، أو إنهاء الطفل الصغير لروضته لتصبح لاحقا شاملة حتى لتخرج الطالب في الابتدائية والمتوسطة والثانوية، في تحوّل لم يكن ملحوظا أو موجودا قبل سنوات سابقة.

واللافت أن هذا التحول تزامن كذلك مع تحوّل مواز خرج بتلك الحفلات من أن تقام مثلا في الجامعات أو الروضات على شكل حفل جماعي لجميع الخريجين، لتصبح حفلات فردية تقيمها الأسر لأبنائها في الفنادق الفخمة وقصور الاحتفالات والاستراحات الفاخرة مع قلة قليلة تقيمها في المنازل.

كما تواكب الأمر كذلك مع حرص أولئك المحتفلين وذويهم وضيوفهم على نشر مقاطع فيديو وصور لتلك الاحتفالات على مواقع التواصل للمباهاة والتفاخر ولإيصالها إلى أكبر عدد من المتابعين.


وتنقسم الآراء حول هذه الظاهرة بين من يراها بذخا غير مبرر، وتكريسا في نفس الصغار لحب المظاهر حيث تغذيها مثل تلك الاحتفالات مع تكريسها لحالة من التباين المجتمعي حيث لا تستطيع جميع الأسر أن تقيم مثل تلك الحفلات لأبنائها الذين كثيرا ما يشعرون بالغيرة من أقرانهم، بل وقد يشعرون بشكل أشد قسوة بحالتهم المادية الصعبة وبأنهم أقل من بقية زملائهم خصوصا أن بينهم متوسطي الحال أو الأيتام أو المنتمين إلى أسر فرق الانفصال الأبوين فيها، وبين من يرون أنها تشجع الطالب على المواصلة وتحتفي بإنجازه وتظهر له أن نجاحه مقدر ويستحق الاحتفاء.

هدايا وحلويات

يقدر كثيرون أن حفلات التخرج المشار إليها تحتاج تكاليف باهظة حيث تقدم فيها المأكولات والمشروبات وكثير من الأطباق المتنوعة والحلويات، كما أنها تشهد كذلك تقديم كثير من الهدايا من المدعوين للطفل المتخرج، لكن كثيرين لا ينتبهون كذلك إلى أثرها السلبي على أقرانه ممن لم يحظوا بمثل هذا الاحتفال لعدم مقدرة أهلهم على تكاليفه.

وحذر كثيرون أيضا من مبالغة بعض الأهالي الذين يأتي بعضهم بهدية ثمينة لابنه ويقدمها له في المدرسة أو على بوابتها عند انتهاء الدوام وسط نظرات زملائه خصوصا المحتاجين منهم أو ممن ذووهم من قليلي الدخل غير القادرين على شراء هدايا مماثلة أو حتى أقل ثمنا بكثير.

تفريغ المعنى

يقف حيدر حسين آل قناص وهو طالب دكتوراه في كلية الطب بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل موقفا معارضا لهذه الظاهرة، ويقول «أنا ضدها جملة وتفصيلا».

ويتابع «لم تدع حفلات التخرج المملوهة (المادية دون روح ولا سبب) لكل مرحلة من الروضة إلى الثانوية العامة أي فرق عن حفلة التخرج المفترض إقامتها بالفعل عند التخرج بشهادة البكالوريوس أو الدراسات العليا والتي يمكن القول عنها أنها تستحق أن تقام، خصوصا أن الجامعات تقيمها لطلابها وطالباتها بشكل معقول وليس مبالغا فيه».

وأضاف «كما أن سهولة النجاح الملحوظة في مراحل المدارس، بل والتفوق فيها لا يعطي روحا ولا يبرر مثل تلك الحفلات، بل الأدهى والأمر، أنها تأتي مكلفة وتتم المبالغة في إقامتها وتصويرها وكأن المحتفى به قد حصل على جائزة نوبل.. لقد قيل إن الترف تلف».

رقص على الأحزان

واصل الدكتور حيدر «إقامة هذه الاحتفالات الباذخة تعدى هدفه الأساس، وصار منافسة بين الأسر، على الأخص قليلة الوعي وضعيفة الثقة، وستكون نتائجها وخيمة بظهور جيل مادي متطلب، مضحوك عليه، ومغشوش، خلاف أن هذا الأمر لا يراعي للأسف وضع ومشاعر الأسر المحتاجة التي بالكاد تستطيع تأمين احتياجاتها الأساسية فيما تشاهد عوائل أخرى ترقص على إيقاع حزنها واحتياجها دون أدنى تفكير بأحاسيسها وأحاسيس أبنائها».

تفعيل الحفلات

يركز المشرف، الموجه الطلابي بثانوية الفارابي بمنطقة نجران صالح مصلح آل غفينة على أهمية تحفيز الطلاب، ويقول «أصدرت وزارة التعليم تعميما بتفعيل وإقامة حفل تهنئة للطلاب المتخرجين في مرحلتي الثالث المتوسط والثالث الثانوي نظرًا لأهمية تحفيز الطلاب بمثل هذه الاحتفالات التي لها أثر إيجابي في نفوس الطلاب وأولياء أمورهم خاصة في هذه المراحل التي يصاحبها انتقال من مرحلة إلى أخرى».

وواصل «قد يكون هذا القرار توطئة لمنع الاحتفالات بالنسبة للروضة والابتدائي، حيث لوحظ مؤخرًا انتشار كبير للمبالغة في حفلات التخرج في المراحل الدنيا التي ترتبت عليها أعباء مالية مباشرة وغير مباشرة على أولياء الأمور، وكون ذلك يعد مخالفة لتعليمات الوزارة التي أكدت على عدم تحميل الأسر أي أعباء في هذا الجانب، وقد حدث تجاوز لذلك من قبل البعض حيث بلغت التكاليف أكثر من 700 ريال للطالبة، وأقل من ذلك للطالب، وهذا تجاوز غير مقبول تربويا، حيث وجب مراعاة الطالبات والطلاب الأكثر احتياجا والذين لا يمكنهم مجاراة تلك الأعباء المبالغ بها».

أحقية الفرح والاحتفال

تشير ابتسام عوضة الشهري إلى أن «الفرح ثقافة وسلوك»، وتقول «من حق الجميع الشعور بالفرح ولذة الإنجاز وتعزيز الروح الإيجابية، لكن لا بد أن نحترم مشاعر من حُرم من والديه أو أثقلت كاهله الديون. ومن رأيي أنا تشجيع الاحتفال ونشر السرور للجميع في نهاية العام الدراسي، واقترح أن يتم الاحتفال بنجاح وتخرج الأبناء داخل العائلة في عشاء عائلي يجمع الأجداد بالأبناء والأحفاد ويقوي الروابط الأسرية ويشعر الجميع بالألفة والمحبة».

وطالبت «أتمنى من وزارة التعليم إصدار نظام حازم لمنع احتفال الأهالي داخل أو عند أسوار المدارس، لما في ذلك من كسر لخاطر الطلاب الأيتام أو من يعانون من صعوبة المادة، وأن يكون احتفال المدارس للجميع دون مقارنة في حفل مختصر تحت تنظيم وإشراف من إدارة المدرسة».

التوسط والاعتدال

من جهتها، تقف المعلمة هند محمد آل داشل ضد أن تكون حفلات التخرج مطلقة لجميع المراحل، وتقول «أنا بصفة عامة ضد حفلات التخرج خاصة للروضة والمرحلتين الابتدائية والمتوسطة، وأتمنى أن يقتصر الاحتفال غير المبالغ فيه على الثانوية العامة والجامعة».

وأضاف «من حقق الإنجاز يستحق الاحتفال، لكن شرط أن يكون ذلك في حفلات بسيطة لا تكاليف فيها، ويقصد منها أن يفرح الناجح ويلقى التقدير ممن هم حوله، وأن يكون حافزًا له».

وتتابع «لا بد من الاعتدال في كل شيء، حتى في الاحتفالات».

مشاركة الفرحة

تعتقد المعلمة هيا محمد الفقير أنه من «حق أطفالنا أن يفرحوا، وعلينا إسعادهم ومشاركتهم أجمل لحظاتهم لا سيما لحظات النجاح والتفوق والإنجاز لنصنع لهم ذكرى جميلة تبقى عالقة بأذهانهم حتى الكبر».

لكنها تستدرك «ما يحدث هذه الأيام من مبالغة في إقامة حفلات التخرج في المدارس والقاعات يمثل عبئًا كبيرًا على إدارات المدارس، ويخلق حيرة كبيرة بين التوفيق بين رغبة كثير من الطلاب والطالبات وأولياء أمورهم وبين عدم قدرة بعض الأسر على الإسهام في هذه الاحتفالات التي تقام أحيانا على نحو مبالغ فيه، بما يمثل عبئًا ماديًا سنويًا مضافًا على كاهل الأسر يمكن تجنبه، لذا يجب أن يكون الاحتفال بحدود، وأن يشتمل على شكر الطلاب لمعلميهم والطالبات لمعلماتهن مع انتقالهم من مرحلة إلى أخرى».

مبالغة بلا أهداف

تجزم المعلمة حياة عبدالله آل داشل أن التوسع في مفهوم التخرج أمر غير مقبول، وتقول «من وجهة نظري فإن مسمى التخرج لا يكون ولا يناسب إلا المتخرجين في الثانوي أو الجامعة فقط لأنه يوافق ختام ونهاية مسيرة دراسية كاملة ومشوار طويل وعدد من سنوات الجهد والكفاح والسهر والمثابرة من أجل حلم منشود ومنتظر».

وتكمل «إقامة حفلات تخرج لكل مرحلة سواء من الروضة أو الابتدائي والمتوسط لا يعدو أن يكون مبالغة ليس لها معنى أو هدف، بل هي تكاليف مادية لا مبرر لها، كما أنها تخرج معنى التخرج الحقيقي عن هدفه حيث تجعله متاحًا مثل أي مسمى عادي آخر».

رسالة معلمة

تداولت وسائل التواصل الاجتماعي رسالة لإحدى المعلمات جاء فيها: «موضوع الحفلات زاد عن حده.. المدرسة منعت الهدايا الخارجية بحفل التخرج فلماذا تأتين بها عند باب المدرسة؟. نحن معلمات وعلى معرفة بوضع الطالبات، بعضهن يتيمات أو والداها منفصلان، وبعضهن دخلهن محدود ومسجلات بتكافل ومصروفهن لا يتوفر إلا بصعوبة، راعوا مشاعرهن. نحن بالمدرسة ونرى نظراتهن ونفسياتهن فلا تكسرن خواطرهن.. رجاء فلتكن هدايا وحفلات تخرج بالبيت».

تكريس الفروقات

تشعر أسر كثيرة بالضغوط أمام رغبتها في عدم إشعار أطفالها بالنقص وأنهم أقل من زملائهم الذين يحتفلون بتخرجهم، لكنهم يواجهون هنا عبء تكاليف هذا الاحتفال، وكذلك وربما قبله عبء حرصهم على تربية ابن واع يفهم الحياة ويعرف أن فيها أزمات كثيرة وأنه يجب ألا ينساق فيها خلف المظاهر والمبالغات.

ويرى البعض أن الحرص على مسألة الاحتفال وتسويقها وترويجها قد يربي جيلا متشبعا بالمظاهر، غير قنوع، متطلب، وربما يشعر الطفل بالتعالي على بقية زملائه الذين لم يستطع أهلهم أن يقيموا لهم حفلات تخرج مثله.