يرتبط توزيع السكان في العالم بظروف الحياة المحيطة ومدى توفر الخدمات، سواء فرص عمل تناسب المؤهلات التعليمية، أو توفر الخدمات التعليمية والصحية وما يتعلق بذلك من توفر البنية التحتية بما يتناسب مع متطلبات العصر والمرحلة التنموية التي تعيشها الدول في عالمنا اليوم.

بملاحظة ومتابعة توزيع السكان في مناطق المملكة، نجد أنه يرتبط بصفة مباشرة بحجم فرص العمل المناسبة، علاوة على توفر الخدمات في المنطقة، وعلى ذلك يكون نمط الاستقرار السكاني، وذلك ما تؤكده نتائج الإحصاءات العامة للسكان في المملكة للعام 2022، التي تعتبر امتدادًا لنتائج إحصاءات 2010 السابقة سواء في توزيع السكان أو المساكن في المملكة.

بحكم اتساع مساحة المملكة فإن تقسيمها الإداري يتضمن 13 منطقة إدارية تتبعها أكثر من 130 محافظة، وذلك يعكس طبيعة الاستقرار السكاني للمناطق الممتدة ما بين شمال المملكة وجنوبها وشرقها وغربها، مع تشابه واختلاف بعض بيئاتها الطبيعية ونسيجها السكاني المحلي، والذي يضيف إلى إرث السعودية التاريخي وسمته الحضارية إثراءً متميزًا بتعدد ثقافاته وتنوع مكوناته السكانية التي تشكل صورة السعودية اليوم.


تشير إحصاءات السكان والمساكن للعام 2022 إلى أن نحو 80.4% من السكان يتركزون في خمس مناطق رئيسة، وهي على التوالي: الرياض، مكة المكرمة، الشرقية، المدينة المنورة، عسير، بل وتستحوذ الثلاث مناطق الأولى على نحو 67.5% من جملة السكان، وذلك يفسره توفر فرص العمل والمراكز التعليمية الرئيسة المتميزة بأحجامها وتخصصاتها ومستوياتها المتباينة التي تخدم جميع الشرائح والتطلعات.

تستحوذ منطقة الرياض باعتبارها العاصمة والمركز الإداري والسياسي والاقتصادي على 8.591.7 ملايين نسمة، بما يمثل نحو 26.7% من جملة سكان المملكة البالغ عددهم 32.175.224 مليون نسمة، ويشكل المواطنون من ذلك العدد نحو 4.439.2 ملايين مواطن بما يمثل نسبة 51.6% من سكان المنطقة، بينما يبلغ عدد غير المواطنين نحو 4.152.5 ملايين نسمة، يمثلون نسبة 48.33% من سكان منطقة الرياض.

أما منطقة مكة المكرمة فيبلغ عدد سكانها 8.021.5 ملايين نسمة بما يشكل نحو 24.9% من جملة سكان المملكة، يمثل السعوديون منهم نحو 4.153.7 بما يشكل نسبة 51.7% من جملة سكان المنطقة، بينما يبلغ عدد غير المواطنين نحو 3.867.7 ملايين نسمة، يشكلون نحو 48.21% من جملة سكان المنطقة.

وتأتي المنطقة الشرقية بالمرتبة الثالثة في حجم توزيع السكان بعدد 5.125.3 ملايين نسمة، يمثلون نسبة 15.9% من سكان المملكة، يشكل السعوديون من ذلك العدد 2.949.9 مليون نسمة بنسبة 57.5% من جملة سكان المنطقة، بينما يبلغ عدد غير المواطنين نحو 2.175.4 مليون نسمة بنسبة 42.44% من سكان المنطقة.

منطقة المدينة المنورة تحتل المرتبة الرابعة في عدد السكان، تضم نحو 2.138.00 مليون نسمة بما يمثل 6.6% من جملة سكان المملكة، بعدد 1.352.1 مليون سعودي يمثلون نسبة 63.2% من جملة سكان المنطقة، بينما يمثل غير السعوديين عدد 785.800 ألف نسمة بنسبة 36.75% من سكان المنطقة.

أما منطقة عسير فتحتوي على 2.024.3 مليون نسمة يمثلون 6.3% من جملة سكان المملكة، يشكل السعوديون منهم نحو 1.444.700 مليون نسمة يمثلون نحو 71.6% من سكان المنطقة، بينما يمثل غير السعوديين نسبة 28.63% بعدد 579.600 ألف غير مواطن.

تتراوح نسبة توزيع السكان في المناطق الأخرى ما بين 4-1% من جملة السكان في المملكة، وتمثل كل من منطقتي الباحة والحدود الشمالية أقل مناطق المملكة سكانًا، إذ تصل نسبة السكان فيهما نحو 1.0% و1.1% على التوالي من جملة سكان المملكة.

من الملاحظ كذلك في نتائج إحصاءات السكان للعام 2022 ارتفاع نسبة غير المواطنين بنسبة كبيرة في المناطق الرئيسة خاصة منطقتي الرياض ومكة المكرمة، لتوفر فرص العمل وما يتبعها من خدمات، وذلك المعيار الأهم في تفسير سبب ذلك التدفق السكاني للمنطقتين، والذي أدى إلى نزوح أو هجرة كثير من المواطنين من مناطقهم الأساسية إلى تلك المناطق، ما أدى إلى تفريغ مناطقهم من السكان المواطنين بسبب انحسار فرص العمل والخدمات، ما يدفعهم نحو الهجرة الداخلية للمناطق الرئيسة.

تركز السكان في مناطق معينة له مبرراته الاستراتيجية والاقتصادية في توفر البنية التحتية الضخمة في تلك المناطق وما تستند إليه من مشروعات ومؤسسات قائمة، والذي أدى لتوسع تلك المناطق وزيادة تضخمها يقابله تفريغ المناطق الأخرى من سكانها سعيًا نحو حياة أفضل وفرص تناسب مؤهلاتهم وتطلعاتهم.

على الرغم من الجدوى الاقتصادية في الاستناد على مناطق رئيسة في تمركز القطاع الإداري والتجاري والخدمي، ولكن لذلك مردوده على المناطق الأخرى التي انحسرت فيها الفرص ومستوى الخدمات المتوفرة والتي أدت إلى هجرة داخلية كبيرة نحو المدن الرئيسة خاصة، علاوة على ارتفاع نسبة الاستقدام فيها والذي أدى إلى تضخمها سكانيًا، وما يتبع ذلك من ضغوطات على المواصلات والمساكن والمرافق والخدمات، وعليه فإن معالجة الاختناق المروري وارتفاع أسعار المساكن وشدة الضغط على الخدمات الأخرى كالمرافق التعليمية والصحية وما يتصل بالبنية التحتية ومتطلباتها، يكون بتحقيق قدر متوازن نسبيًا من توزيع فرص العمل الإداري والتجاري والخدمات التابعة، لإعادة توزيع السكان إقليميًا بما يناسب مختلف المناطق وإمكانياتها الطبيعية وظروفها المتاحة وما تحتاجه من تطوير وإحياء لمواردها المحلية بما يسهم في تحقيق تنمية إقليمية ومتوازنة.