في وقت تتوالى الضربات التي توجهها الجهات المعنية لمهربي ومروجي المخدرات لحماية المجتمع من خطرهم، خلصت اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات (نبراس) إلى أن التوبيخ الأسري يتصدر عوامل الخطورة الأسرية التي تدفع الأبناء إلى تعاطي المخدرات وبنسبة 40%، وحل العنف الأسري في المرتبة الثانية بـ32%، ثم التسلط الأسري بـ29%، والتعامل القاسي من الأب بـ25%.

وبينت الدراسات أن المراهقين عم الأكثر عرضة لتعاطي المخدرات، وبيّن 61% من المتعاطين أن بداية تعاطيهم كانت عبارة (تجربة لمرة واحدة فقط) تحولت لاحقًا إلى تجربة لا منتهية.

وبين 33% من المتعاطين أن تعاطيهم جاء بسبب مشاكل بين والديهم، فيما أشار 51% إلى أنهم تعاطوا بسبب غياب المتابعة الأسرية.


العلاقة النقية

يؤكد مدير مركز بيت الخبرة للبحوث والدراسات الاجتماعية الدكتور خالد بن سعود الحليبي أن للأسرة 3 مسارات في مواجهة ظاهرة تعاطي المخدرات، منها وقائي يتمثل بتوعية الأبناء بأضرار المخدرات، والتعامل الحسن معهم، حيث تبين من خلال الدراسات أن من أبرز أسباب تعاطي المخدرات التوبيخ الأسري والعنف الأسري والتسلط الأسري وتعامل الأب القاسي ومتابعة الأولاد باستمرار.

وركز على أهمية بناء علاقة ودية وعاطفية نقية مع الأولاد وإشغالهم بما ينفعهم، وكذلك المبادرة إلى معالجة الابن أو البنت طبيًّا بمجرد اكتشاف تورطه في تعاطي المخدرات، والاستفادة من مستشفيات إرادة المتوفرة في جميع مناطق المملكة، وغيرها، وكلها تعمل بسرية كاملة للحفاظ على سمعة الأسرة وسمعة المتعاطي حتى يتعافى.

ويشدد الدكتور الحليبي على أنه «تشير عدد من الدراسات إلى مسؤولية الأب عن إدمان أبنائه، حيث تؤكد تلك الدراسات أن انشغاله عن مهمته التربوية تتيح الفرصة لكثير من الانفلات الخلقي، وقال «لا شك أن المسؤولية تقع على من يباشر التربية، فقد تكون الأم هي التي تقوم بالتربية لغياب الأب بأي نوع من الغياب، كما أن المدمن نفسه مسؤول عن نفسه وعن استمراره أو توقفه.

كما يجب أن يتحمل الأب والأم المسؤولية الكاملة في حسن التربية وجمال العلاقة مع الأبناء والبنات خلال مرحلتي الطفولة والمراهقة خصوصا، فلا للتربية العنيفة ولا للتربية المدللة، ومرحبا بالتربية المبنية على الحب والحزم في وقت واحد، في توازن تام، يجعل الأولاد يحبون آباءهم وأمهاتهم، ويصغون إلى إرشاداتهم، ويصادقونهم».

تكنيكات خاصة

ترى حاملة ماجستير خدمة اجتماعية، الأخصائية اجتماعية نوال الأسمري أن الدور التربوي الملقى على عاتق الأبوين دور عظيم لتعزيز القيم الأساسية في نفوس الأبناء بالتزامن مع استخدام الأساليب الأبوية الفعالة في رحلة التربية، والتي لا بد أن تكون بتكنيكات معينة أهمها شعور الأبناء بالأمان والاستقرار والحب تجاههم، حتى إن صدر منهم سلوكيات غير جيدة فالنبذ يكون للسلوك نفسه، ولا يرتبط بالابن، ويستخدم هنا الحوار الفعال والتركيز على الجوانب الإيجابية، وهذه هي الثقة المطلوبة لتنشئة أبناء سليمي الجوانب الأساسية في شخصياتهم، فما بالنا لو اهتزت هذه الثقة وكان هناك زعزعة نفسية مقابل الأمان، وتفكك أسري مقابل الاستقرار، وعدم ثقه وعدم تقبل وفرض عقوبات مستمرة قد لا تتناسب مع الفئة العمرية أو القدرة الجسدية، هنا فقط سيبحث الأبناء عن البديل، وإن كان البديل في بعض الأوقات طريقا للهلاك، وبداية معاناة أخرى قد لا تنتهي أحيانًا إلا بشكل كارثي».

مصطلح فضفاض

أضافت الأسمري أن «مصطلح القسوة ناشئ من مصطلح العنف، والقسوة في حد ذاتها مصطلح فضفاض مختلف باختلاف البيئات والنشأة الاجتماعية المختلفة من مكان إلى آخر، فما تراه أسرة أمر قاس وغير مقبول تراه أخرى أسلوب متبع للتربية».

وتابعت «أريد أن أوضح أن أولياء الأمور غالبًا ما يكون هدفهم إصلاح الأبناء، ولكن الأساليب المتبعة قد لا تتناسب مع الهدف، وقد تنتج أبناء هشين قابلين للانخراط مع مجموعات مضللة أو اللجوء إلى أصدقاء سوء لإيجاد ذواتهم الضائعة بين أسرة قاسية أو مفككة.

بينما أساليب التربية السليمة الفاعلة تتيح للآباء تحقيق أهدافهم في تقويم أبنائهم دون المساس بكرامتهم أو جوانب شخصيتهم الأساسية».

دعم متعدد

بينت الأسمري أن «المدمن كحالة إدمانية لا بد له من أن يخضع إلى مرحله تأهيل وعلاج متعددة المجالات يحتاج فيها إلى دعم متعدد من أفراد أسرته، ومن ثم تغيير بيئته والأصدقاء السابقين، وقد يكون نهج نموذج ماتريكس لتجاوز الإدمان نهج أثبت جدارته خلال السنوات الماضية، حيث كان يعتمد فيه على عدد من الجلسات الإرشادية المكثفة على (مستوى الأسرة أفراد/ جماعة - إدراج مهارات التعافي المبكر- الوقاية من الانتكاس- التوعية الإرشادية) بشكل أسبوعي مكثف ويساندها تغييرات في البيئة الاجتماعية ومحاولة تقبل للمتعافي من الإدمان».

وأضافت «لكن بشكل خاص من كانت البيئة داعمة له للتعاطي، ومن ثم مر برحلة التعافي وعاد إلى ذات البيئة المنفرة له سينتكس لا محالة إلا في حالات نادرة، لأن الأساليب المنفرة له منذ البداية والتي هرب منها للإدمان عادت من جديد، كما أن هناك عدد من الدراسات التي أجريت في المراكز المتخصصه لعلاج اللإدمان أوضحت أن هناك نسبة لا يستهان بها تصل إلى 68% منتكسين بعد التعافي».

وأكملت «لا بد أن يعي الوالدان أو مقدمي التربية أن رتم الحياة سريع جدًا ومتغير بتغير الأجيال والتكنولوجيا والتطور العالمي، فمعظم الأساليب التربوية التي كانت في السابق فعالة، وكان الأغلب يعملون بها لم تعد تحمل نفس مستوى الفعالية الآن، بل قد تكون نتائجها عكسية، ومن المهم جدًا معرفه الوالدين بخصائص كل مرحلة عمرية يمر بها أبناؤهم ليستطيعوا التعامل معه وفق هذه الخصائص، كذلك يجب أن يكون مستوى الحوار بين الوالدين والأبناء عال جدًا ليستطيع الأبناء اكتساب مهارات عدة من أهمها مهارة الرفض والاستقلال بالرأي ليكون لهم ذلك درعا في محاولات لاحقة من أصحاب سوء محتملين، وأن يكون هناك قوانين منزلية تتم صياغتها من قبل جميع أفراد الأسرة ليتم الالتزام بها وكذلك العمل على غرس القيم الصالحة وتعزيز الجوانب الدينية والأسرية والاجتماعية في نفوس النشء لنصل أخيرًا إلى ضرورة الاهتمام والمشاركة في عدد من النشاطات والأوقات».

ملاذ آمن

تجزم المستشارة التربوية حنان الغامدي بأن الأب هو «الملاذ الآمن لأبنائه وهو قوت الأسرة وشريان الحياة، فإذا غاب الأمان وانتهى القوت وانقطع الشريان ستذهب الأجساد مع الريح وتصارع أمواج الحياة، حتى يوجد البديل الأبوي الذي يعيد التوازن الداخلي والاستقرار الروحي، وقد يأخذ دور الأب هنا أي شخص آخر ليعوض فقده لغرض شخصي غير سوي، وهذا الاحتواء الهدام يتقمصه مروجو المخدرات الذين يتمتعون بقدرة هائلة على احتواء الطرف الأضعف والتعامل معه بطولة بال، وفق أجندة مدروسة، تعيد للشاب الأمان والثقة التي يفقدها.

إنهم يتقنون فهم النفسيات ويملكون تعويضها عما ينقصها اجتماعيًا وماديًا حتى ينتزعون الابن من أسرته انتزاعًا دون إكراه ليكون رهينة الوهم، وينفذ ما يطلب منه دون مبالاة أو اعتراض».

وأضافت «القسوة لها ملامح البؤس والخذلان إن كانت في شكل التعنيف الصامت والازدراء المهذب من آباء سلطويين لا تهمهم سهام المشاعر السلبية التي يطلقونها ويقتلون بها أبناءهم في اليوم عشرات المرات، وهذا الأسلوب يستخدمه للأسف حتى أفراد مثقفون ومترفون».

وتابعت «القسوة القهرية وهي التعدي الظاهر والعلني الذي لا يملك الأبناء حيلة لرده وهي ما تصل بهم إلى تداعيات قوية تأخذ شكل الإقصاء الاجتماعي القسري الناتج عن الإهمال النفسي والتعدي الجسدي واللفظي وصولاً إلى مرحلة الانفصال عن الواقع والبعد التام عن العائلة، وغالبًا ما يستخدمه الأفراد الذين يتعرضون لضغوط الحياة وقسوتها القسوة المادية وتعني البخل المادي وترك الأبناء في حاجة وعوز دائم، وهو ما يقرب الأبناء من منابع الشبهات بحثًا عن الوفرة المادية».

احتواء وتلطف

شددت الغامدي على أن «التربية أساسها الاحتواء والتلطف والكثير من الأمان والسعادة داخل الأسرة وإشاعة السلام والود وجعلها ممارسات وعادات يومية لإشباع داخلي يغني عما وراء الأسوار خارج المنزل، ولا بد من مساعدة الأبناء على اكتساب المهارات التي ترفع من مستوى سلوكياتهم ومهارتهم الحياتية وتفكيرهم الناقد، فتساعدهم على الثقة في أنفسهم وعدم السعي إلى خلق أوهام من خلال حصولهم على ثقة آخرين أو السعي لرضاهم بأي حال من الأحوال، وهذا يحتاج من الأسرة أن يكون لها سياسة تربوية واضحة، فالمحافظة على الحدود الدينية السليمة وعدم تخطي حدود العرف والمحرمات هو أساس لسياسة أسرية سليمة نابعة من خوف من الله عز وجل وليس من سلطة أبوية، والتزام الآباء يجعل التزام الأبناء مبدأ لا مناص منه وهو أحسن الدفاعات التي يمكن إعطاؤها للأبناء لوقايتهم من ضغوط الحياة، وتجنيبهم الوقوع في شراك المخدرات والإدمان».

ممارسة الضبط

أشار الباحث الاجتماعي والمتخصص في القضايا الاجتماعية والأسرية خالد الدوس إلى أن مجتمعنا السعودي يعيش مرحلة شبابه في واقعنا المعاصر باعتبار أن فئة الشباب في هرمه السكاني تشكل ما يقارب 65% من تركيبته الديموجرافية، فالأسرة ممثلة بالأبوين تمارس الضبط الاجتماعي في إطار عملية اجتماعية كبرى، وهي عملية التنشئة الاجتماعية والنفسية والقيمية والتربوية والثقافية كما أن لها دور محوري في الحفاظ على أبنائها من السلوك المنحرف ومن تعاطي المخدرات وتنشئتهم وتربيتهم التربية الحضارية التي تقيهم شر أصدقاء السوء والوقوع في براثن هذه الآفة السامة.

وأضاف «حين يمارس الأب العنف والقسوة مع أبنائه، وعندما نقول العنف فإننا نقصد به أشكالًا ومظاهر مثل العنف البدني والعنف اللفظي والعنف الصحي والعنف الرمزي (الاحتقار والازدراء والتهميش)، وهذه الأشكال من العنف ربما تقود بعض الأبناء إلى الانحراف السلوكي والوقوع في مستنقع المخدرات وإدمانها مع قرناء السوء، إضافة إلى أن قسوة وعنف الأب مع أبنائه لها أسباب ودوافع قد تكون ضغوط نفسية أو مشاكل اقتصادية أو هموم أسرية ودوافع أخرى، ولذلك للأسرة دور محوري كبير في الوقوف إلى جانب ابنها المدمن واحتوائه ومعالجته من هذه الآفة الخطيرة، وذلك من خلال متابعة طرق علاجه وطريقة تعاملها مع ابنها المدمن المنتكس بعد تنويمه في مستشفى لعلاج إدمانه أو المتعافي الملتحق ببرنامج تأهيل المدمن من المخدرات».

وبيّن أن «دور الأسرة لا ينتهي فقط عندما يذهب الابن المدمن إلى مستشفى علاج الإدمان بل ينبغي عليها توفير بيئة داعمة تساعد على استكمال العلاج بعد خروجه من دورة التعافي وأهمها إبعاده عن محفزات ودوافع الإدمان مرة أخرى، وتحديدًا قرناء السوء وتفعيل دور الحوار الأسري الإيجابي في تعميق روح الوئام والمودة والقبول والتواصل داخل البناء الأسري».

عوامل الخطورة الأسرية الدافعة للأبناء لتعاطي المخدرات

40 % التوبيخ الأسري

32 % العنف الأسري

29 % التسلط الأسري

25 % التعامل القاسي من الأب