سألت إثنين من المتقاعدين عن مرحلة ما بعد التقاعد، فأما الأول فقد كره التقاعد وندم عليه وشبهه بأنه مثل الموت البطيء. بينما الآخر قال عنه إنه بداية مرحلة جديدة من حياتي السعيدة. كل واحد منهما تعامل مع التقاعد وفق تفكيره واندماجه ومدى ما يمتلك من ديناميكية ومرونة في التغيير والتطوير.

وفي الحقيقة مرحلة ما بعد التقاعد ليست بالمرحلة السهلة كما يظن البعض، وليست أيضاً بالمرحلة الصعبة والمعقدة كما يظن البعض الآخر. لأنها باختصار شديد مرحلة وتجربة جديدة في حياة الإنسان، وأنا أشبهها بقيادة المركب في البحر، فإن أحسنت قيادته استمتعت بالرحلة وإن أسأت قيادته فقد تصبح رحلتك كابوساً وقد تغرق وقد تموت.

وهنا نقول: أولاً: أخي المتقاعد الكريم عندما تتقاعد قد تقودك نفسك أو يقودك بعض الناس للإحباط والانهزام والضغط النفسي، وأنك قد دخلت مرحلة بداية النهاية والموت الحتمي، لكن في الحقيقة مرحلة التقاعد مرحلة جديدة من حياتك الآتية الجميلة تقودك للسعادة والصحة وطول العمر وتحسين المزاج وترتيب أوراق الحياة المبعثرة من جديد.


ثانياً: عليك أن تعرف أنك عندما كنت تعمل كانت حياتك ذات هيكل وروتين، ثم فجأة وبدون سابق إنذار تغير إيقاعك وجدولك بشكل جذري. وبالتالي عليك أن تستعد لمرحلة ما بعد التقاعد بأن ترتب سير حياتك، وتستثمر أولاً طاقتك في ممارسة بعض الأنشطة الحركية والتي أهمها المشي اليومي لأن طاقة الإنسان تتمثل في أربعة أبعاد، جسدية وعاطفية وفكرية وروحية، ومن المهم تغذية النفس بكل تلك الأبعاد.

ثالثاً: من خلال الدراسات المختلفة اتضح أن كفة العلاقات الاجتماعية ترجح على حساب المال والشهرة في إسعاد المتقاعد، فعليك عزيزي المتقاعد بالاهتمام بالجانب الاجتماعي أكثر من غيره من خلال الاستزادة من العلاقات الاجتماعية الجيدة وتطويرها وتحسينها خاصة مع الأقارب والمقربين، وتجنب أي صدامات لا طائل منها ومعارك كلها خاسرة، كن شخصاً اجتماعياً محبوباً لدى الجميع.

رابعاً: احرص أن تكون شخصاً ذا عقلية متطورة ديدنها النمو والتطوير والابتكار والتحليق بالتفكير في الأفق، ولا تكن مع أصحاب نظرية العقول الثابتة الجامدة التي لا تتحرك ولا تنمو ولا تتطور، فقد وجدت الأبحاث أن الكثير من الأشخاص بعد التقاعد، قد بدأوا أعمالهم التجارية الخاصة أو تطوعوا.

خامساً: لا تترد في عمل كل ما يجلب لك السعادة والسرور في غير معصية الله، ولا تعبأ بما يقوله القائلون وما يردده المثبطون، أطلق ساقيك للريح في الأرجاء من سفر ورحلات وزيارات وأنشطة وعبادة ومرح وكل ما يشرح صدرك ويبهج نفسك ويقدم لك السعادة والابتسامة، فلن ينفعك أحد أو يضرك إلا بشيء قد كتبه الله لك.