ما زال الحزن يخيم على أهالي مساكن خيرية سلطان بمركز القحمة في عسير. وما زالت ملامح الأسى والذهول تعلو وجوه قاطني تلك المساكن، بعد مرور أسبوع على وفاة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز(رحمه الله). لم لا وكل فرد منهم يستشعر الأيادي البيضاء لسلطان الخير، واقعا في حياته التي غيرها كليا إلى الأفضل، ووفر مسكنا عصريا لكل منهم تحوطه جميع الخدمات الضرورية.
يقول رئيس مركز القحمة إبراهيم الشهري: في عام 1420 بدأت بوادر الخير والتطوير والنماء تلامس أرض الواقع في مركز القحمة بأمر الأمير سلطان بن عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ بإنشاء مشروع الخير المكون من 100 وحدة سكنية، لتوزيعها على المحتاجين، إضافة إلى مبان للمرافق الصحية والتعليمية والبلدية والاجتماعية.
وأشار إلى أن الأمير سلطان لم يكتف بتوجيه أوامره لإنشاء المشروع الذي يبعد عن مدينة أبها 160 كيلومترا، بل تابع التنفيذ أيضا وجاء بنفسه لتدشينه. وكان لافتتاح مشروع الأمير سلطان بن عبدالعزيز للإسكان الخيري، أثر كبير في تحويل تلك الجهة من مجتمع بدوي إلى حياة الاستقرار المدنية، لأكثر من 100 أسرة إلى جانب المباني المخصصة للمرافق والخدمات العامة.
ويقول سرور سلطان وعلي مرزوق وهما من المستفيدين من خيرية سلطان بالقحمة: انتشلنا الأمير سلطان من مساكن مبنية من عشش وصنادق كنا نعيش فيها، إلى مدينة حضارية والعيش داخل فلل سكنية تبلغ مساحة كل منها 600 متر مربع محاطة بفناء من جهاتها الأربع ومواقف وملاعب للأطفال، إضافة إلى كل الخدمات المختلفة التعليمية والصحية والاجتماعية والترفيهية. كتب الله له الأجر والثواب وجعلها في ميزان حسناته.
ولأن الأمير الراحل استحق لقب سلطان الخير عن جدارة وتنوعت خيراته وعطاياه وتوزعت في كل اتجاه لم يكن غريبا أن يقول المعلم في مدرسة قيس بن عاصم الابتدائية بمحافظة الطائف علي عالي السفياني: لم أحزن بعد موت أمي كما حزنت بوفاة الأمير سلطان رحمه الله". ويوضح السفياني أن الأمير سلطان ـ رحمه الله ـ تكفل بعلاج والدته أكثر من 30 عاما على نفقته الخاصة قبل أن يوافيها الأجل قبل عام، مما خفف عن أسرته الكثير من الأعباء.
ومن عسير إلى الطائف إلى نجران، تتواصل مشاعر الحب والعرفان بالجميل لسلطان الخير. ويصف الشاب صالح علي آل منصور خريج الكلية الصحية بالدمام، مدى إحساسه بالصدمة لوفاة الأمير سلطان. وصالح هو نفسه الطفل الذي نشرت صحيفة "الوطن" صورته قبل عشر سنوات والأمير الراحل يحتضنه في أبوة حانية شملت أسرته بأكملها وأنقذتها من الضياع والتشتت.
ويروي صالح قصته مع سلطان الخير فيقول إنه قرر مقابلة سلطان الخير في حفلة للأهالي بمحافظة أحد رفيدة في يوم الخميس الموافق 15 مارس 2001، وكان عمره 12 عاما، حيث هم بالركض إلى منصة الحفل وحاول أفراد الحرس الخاص الإمساك به، وأثناء وصوله إلى أعتاب المنصة الرئيسية فوجئ بالأمير سلطان يقف من مكانه ويمسك بيده ليساعده على الصعود ويضعه في أحضانه التي اتسعت لكل المحتاجين والمهمومين من أفراد الشعب السعودي.
وتابع: سألني سلطان الإنسانية ماذا تريد يا ابني، اطلب ما تريد فلن تذهب من عندي إلا بطلبك، فقلت له يا سيدي أريد أن تخرج والدي من السجن الذي أوقف قبل سنتين في مطالبات مالية تقدر بـ300 ألف ريال وأن تعوض أسرتي في منزلها الذي التهمته النيران في حريق طارئ بحي الشرفة بنجران. وبادرني سلطان بكلمة: أبشر يا ابني والدك سأقضي دينه وسيكون بينكم خلال 48 ساعة إن شاء الله. ثم وجه أحد المستشارين الخاصين لسموه بتحرير شيك بمبلغ 200 ألف ريال تعويضا لنا عن منزلنا الذي احترق. وقال لي: اعتبرني أبا لك ولن أتردد في مساعدتكم في أي أمر من أمور الدنيا، وودعني بقبلة حانية.
وأكد صالح أنه لن ينسى تلك القبلة الأبوية طيلة حياته، ولن ينسى وأسرته هذا الموقف الأبوي من أمير الخير والإنسانية الذي لن تغيب ذكراه عن أذهانهم، سائلا الله أن يتغمده بواسع الرحمة والغفران في جنان الخلد.
أما والده المسن علي عويضه الذي غمره أمر الأمير سلطان بإطلاق سراحه من السجن وقضاء دينه، فيقول ونبرات البكاء تنتابه: هذا مصاب كبير على أبناء الشعب السعودي والمرضى والمحتاجين الذين مدتهم الأيادي البيضاء لسموه منذ عقود من الزمن. وسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناته ويسكنه جنان الخلد مع الصديقين والأبرار.