هناك ارتباط ما بين المشاريع المستهدفة للاستثمار وما بين رؤيتنا الوطنية وتطلعاتنا التنموية نحو مستقبل أفضل ومستدام. وعليه فإن الاستقطاب يكون للشركات والدول التي حققت إنجازًا وتقدمًا في استثماراتها المحلية والدولية، للنوع ذاته من المشاريع الاقتصادية التي أثمرت في مردودها المستهدف لهم. لذلك فإن انتقاء واختيار الشركات المستثمرة لا بد أن يخضع لدراسات دقيقة، لاختيار الأفضل بما يحقق مستهدفاتنا الوطنية.
الاستثمار في الموارد الطبيعية كالمواقع السياحية التي تشكل مراكز جذب يشمل مختلف البيئات والمناطق الطبيعية التي تزخر بها بلادنا في البر والبحر ومن الجبال إلى السهول إلى الآثار والإرث الحضاري المادي المتنوع المتناثر ما بين أرضنا الواسعة، يشمل كذلك مواردنا الطبيعية المعدنية والزراعية والبيئية التي نتميز بها كثروات تستحق الاستثمار للاستفادة منها وتنمية مناطقها.
أحد أهم مستهدفات الاستثمار الأجنبي، هو توفير فرص عمل للمواطنين بصفة خاصة ومركزة، ليس فقط بهدف الحد من البطالة وتوظيف الباحثين عن عمل لمعالجة تحديات سوق العمل وهيمنة غير المواطن عليه بما يشكل نحو 75% من عدد العاملين في السوق حتى نهاية العام 2022؛ وإنما لتحقيق هدف إستراتيجي أكثر أهمية وأعمق تأثيرًا؛ وهو بناء الخبرة لدينا لمفاصل الأعمال إداريًا وفنيًا بمختلف مستوياتها المهنية، ولنقل التقنية وتوطينها، وهذان العاملان يشكلان أهم الأهداف الاستراتيجية التي انتهجتها الدول لتشجيع الاستثمار الأجنبي فيها، ويتطلب ذلك تضمين عقود اتفاقيات وبنود الاستثمار الأجنبي أو الاستثمار المشترك، ضرورة توظيف المواطن وتدريبه بنسب مرتفعة، تزداد تدريجيًا مع استمرارية المشروع حتى سعودته تمامًا.
فتح باب الاستثمار الأجنبي لمواردنا مع عدم الاهتمام أو اشتراط توظيف المواطنين بنسب عالية والتساهل فيه، لن يحقق الفائدة المرجوة، بل والمستدامة بصورة أدق تنمويا، وسيكون مردوده الاقتصادي والاجتماعي عابرًا ينتهي مع نهاية المشروع ومغادرة أصحابه، بل ستظل الحاجة لغير المواطن مستمرة.
تأتي إستراتيجية التوجه نحو تحفيز الاستثمار الأجنبي في ظل ما نعانيه من خلل في هيكل سوق العمل وانحياز واضح نحو توظيف غير المواطن الذي ما زال يستحوذ على %74.45 من فرص العمل المتاحة في السوق، مقابل %25.54 من فرص العمل التي يشتغل فيها السعوديون. وإذا ما تتبعنا السلسلة الزمنية للإحصاءات الوطنية للمشتغلين في سوق العمل من 2017-2022 للربع الرابع من إحصاءات العامين المذكورين نجد أنه، في 2017 كان عدد غير السعوديين 10.417.295 مشتغلا بما يشكل نسبة %76.70 من جملة المشتغلين، وارتفع عددهم إلى 10.987.727 مشتغلا في الفترة نفسها من 2020 ولكن بنسبة انخفضت إلى 74.45%، بسبب زيادة دخول السعوديين للسوق، الذين بلغ عددهم 3.770.631 مشتغلا في نهاية 2022 بنسبة 25.54% بعد أن كانوا 3.163.846 في 2017 وبنسبة 23.29%
من الملاحظ أنه مع زيادة فرص العمل بل وتضخمها، نتيجة للتوسع في المشروعات المستجدة وتأسيس العديد من الهيئات والمؤسسات الحكومية والمشتركة الواعدة، التي اُطلقت لتحقيق برامج الرؤية للتمكُن من بلورتها لمنجزات قائمة نشهدها؛ فإن توظيف المواطنين لم يحظ بما يستحقه من الفرص في تلك المنشآت، وبما تتضمنه مستهدفات الرؤية التنموية وتوجيهها نحو الاستثمار في الوطن.
هناك حاجة ملحة لاستيعاب واستدراك إشكالية سوق العمل، بما يقتضي تصحيح وتحديث كثير من لوائح وأنظمة وزارة الموارد البشرية المتعلقة بالتوظيف والتوطين والتحفيز نحو مزاولة الأعمال الحرة بسياسات داعمة، والعمل على توجيهها نحو خدمة أهداف الرؤية الطموحة وترجمة إستراتيجياتها الوطنية لتحقيق التنمية المستدامة المرجوة في مواردنا البشرية التي تُعد الدعامة الرئيسة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المأمولة.
الاهتمام بتحفيز الاستثمارات الأجنبية واستقطابها، من التوجهات الاقتصادية المحمودة في تنمية الدول ونهضتها، وذلك أثبتته التجارب العالمية، ولكن ذلك مرهون بتحديث وتطوير الأنظمة واللوائح التي تخدم جميع الأطراف لتحقق النتائج المثمرة، والتي تصدرت فيها المصلحة الوطنية على المستهدفات كافة بمعاييرها العلمية والعملية. وعليه فإن التساهل مع الشركات المستثمرة في مسألة نسب السعودة المطلوبة، يتناقض مع المصلحة الوطنية المستهدفة من الاستثمار في نقل الخبرة وتوطين التقنية بجميع تفاصيلها ومستوياتها، وذلك يقتضي تضمين جميع عقود الاستثمار شروط ملزمة لتوظيف المواطن في مختلف المستويات المهنية وتدريبه على جميع متطلبات المشروع المنفذ بمختلف تقنياته وأدواته الفاعلة، حتى ينتهي بسعودته.