تمكن أكاديميان في كلية الصيدلة بجامعة طيبة من اكتشاف وفصل مركبين جديدين من ورق شجرة السدر يعملان ضد خلايا بعض أنواع السرطان.

وتوصل كل من الدكتور محمود عبدالله مصطفى الأستاذ المساعد في قسم العقاقير والكيمياء الصيدلية، والدكتور هاني محمود خوجة الأستاذ المشارك في قسم الصيدلة الإكلينيكية وصيدلة المستشفيات في كلية الصيدلة في جامعة طيبة، وبالتعاون مع الأستاذ الدكتور توميهيسا أوتا من اليابان، إلى اكتشاف وفصل مركبين جديدين من ورق شجر السدر، تمت تسميتهما «سِدرين» و«سِدروسايد» اشتقاقًا من الاسم العربي للشجرة.

وأظهرت التجارب الأولية التي أجريت في اليابان، وبالتعاون مع المعهد الوطني للأورام في الولايات المتحدة الأمريكية فعالية انتقائية لهذين المركبين ضد عدد من أنواع الخلايا السرطانية البشرية المعزولة مخبريًا مع عدم الإضرار بخلايا نخاع العظم السليمة.


ويتطلب هذا الاكتشاف أن تتبعه دراسات مكثفة على حيوانات التجارب للتأكد من سلامة المركبين ومعرفة آلية عملهما الدقيقة قبل تجريبهما إكلينيكيا على البشر المصابين بالأورام السرطانية.

أهمية تاريخية ودينية

أوضح الدكتور محمود مصطفى أن شجرة السدر لها أهمية تاريخية ودينية وطبية على مر العصور، وقد استعملت فاكهتها وعسلها كغذاء، كما استخدمت أجزاؤها المختلفة كعلاج لعدد من الأمراض.

وورد ذكر السدر في القرآن الكريم في عدة مواضع من باب التكريم لها. فمن ذلك سدرة المنتهى في قوله تعالى: (عند سدرة المنتهى. عندها جنة المأوى. إذ يغشى السدرة ما يغشى) سورة النجم 14-16.

وهي من أشجار الجنة كما قال تعالى: (وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين. في سدر مخضود. وطلح منضود. وظل ممدود) سورة الواقعة 27-30.

كما ورد ذكرها في عدد من الأحاديث النبوية الشريفة. وهذا الشجر معروف منذ القدم وله عدة أسماء مثل الغسل والأردج والزفزوف والعرج. ويطلق على ثمارها النبق والجنا والعَبري، وموطنها الأصلي بلاد العرب ولكن تم استنباتها في كثير من البلاد.

وتعيش الشجرة حوالي 120 عاما وتعطي ثمارها مرتين في العام في أواخر الشتاء وبداية الربيع، وذكر ابن سينا في كتاب القانون كثيرا من فوائدها.

فعالية طبية

أشار الدكتور محمود إلى أن فعالية هذه الشجرة، واسمها العلمي Ziziphus spina-christi، ترجع إلى احتوائها على عدد من المركبات الفعالة كالفلافونويدات والبيبتيدات والبيبتيدات القاعدية والسابونينات والسكريات والجليكوسيدات والفينولات والتانينات.

فمثلا، مادة الروتين، وهي إحدى الفينولات، لها تأثير على مستوى الكالسيوم في العظام، والتانينات هي من المواد الفعالة المضادة للأكسدة، وحمض الأوليانوليك وهو أحد أنواع السابونينات له تأثير مضاد للالتهابات، بحيث كانت تستخدم أجزاء النبتة في علاج الأوجاع وآلام المفاصل. كما أن الشجرة تحتوي على المغنيزيوم والبوتاسيوم والنحاس والنياسين والكالسيوم والمنغنيز والفوسفور والحديد. وتحتوي على فيتامين ج أكثر بـ20 مرة من أي فاكهة حمضية، وتعمل على تقوية جهاز المناعة ومكافحة الالتهابات.

قيمة مرتفعة

يبين الدكتور محمود أن ثمار السدر (أو النبق) حلوة المذاق ومرتفعة القيمة الغذائية وتعد من أنواع الفاكهة المتميزة. وهي مفيدة في حالات أمراض الصدر والتنفس وهي مسهلة ومنقية للدم وذات فائدة للمرأة الحامل لما تحتويه من عناصر غذائية ضرورية من سكريات وغيرها.

وأكد علماء التغذية أن مسحوق ثمار النبق يماثل الحبوب في القيمة الغذائية، فأطلقوا عليها اسم «الحبوب غير الحقيقية».

وقديما كان الناس يجففون ثمار السدر ويطحنوها في مطاحن خاصة بها لفصل الطبقة الخارجية المأكولة الحلوة ومن ثم استخدام دقيقها في صنع الخبز وأنواع من الحلوى.

قناع للوجه

يوضح الدكتور محمود أن أوراق شجرة السد تستعمل كقناع للوجه يعالج حب الشباب ويزيل البثور وينعمها ويبيضها. كما استعمل المستخلص المائي لها في تنظيف مسامات البشرة وتنقيتها.

وتستعمل خلاصة أوراق السدر في تنظيف فروة الرأس وتعقيمها والقضاء على الفطريات فيها مع إضافة خل التفاح أو عصير الليمون، وهي تساعد على إنبات الشعر في الفراغات وتزيد كثافته وتطيله بإضافة زيت الزيتون والثوم مرتين أسبوعيا، كما تقوي أصول الشعر وتمنعه من التساقط وتجعل الشعر أكثر نعومة وتكسبه لونا بهيجا ولمعانا.

ولوحظ أن استعمال محلول أوراق السدر يساعد في تخفيف التشنجات الثانوية الناتجة عن تأثير بعض العقاقير. كما كانت أوراق السدر تستعمل للمساعدة على الاسترخاء وتهدئة القلق دون الشعور بالنعاس.

واستخدم ورق السدر المطحون والمخلوط مع الماء في جبر كسور العظام وقتل ديدان الأمعاء وعلاج التهاب اللثة والفم وطرد البلغم. ومن الشائع أيضا استخدامها في الاغتسال من باب الرقية وعلاج السحر.

منقوع اللحاء

يواصل الدكتور محمود المرور على فوائد السدر، فيقول إن «منقوع اللحاء الخارجي لأشجار السدر يستخدم كمسهل لعلاج الإمساك وكمحفز ومنشط لانقباضات الأمعاء والقولون، ولكن يحظر على المرأة الحامل استخدامه كمسهل لأنه قد يحفز انقباضات الرحم. كما يحظر استخدامه على مرضى القلب أو الضغط المرتفع ومن يعاني من القولون العصبي أو قرحة الاثني عشر. كما يستخدم مغلي اللحاء كمسكن لآلام الأسنان وملطف للحرارة وكمقوٍ عام».

كما يذّكر بأن لعسل السدر قيمة كبيرة، فهو يعد من أغلى وأفضل أنواع العسل، حيث يمثل قيمة غذائية عالية ويستخدم شعبيا في علاج كثير من الأمراض لما يحتويه من مواد ذات فاعلية كبيرة على الجسم والمناعة.

ولادة الفكرة

يشرح الدكتور محمود مصطفى أنه «نظرا لكثرة ما كتب عن هذه الشجرة وفوائدها جاءت الفكرة بأن نسعى للبحث عن مركبات قد يكون لها فائدة في علاج الأورام السرطانية. وقد اعتمدنا منهجية حديثة تقوم على الفصل الموجه حيويا، بمعنى أن نحدد الهدف المرضي أو الحيوي الذي نريد أن نعمل عليه ومن ثم نستخدم عددا من المذيبات العضوية المختلفة لاستخلاص المركبات الموجودة في أوراق السدر ثم نختبر تأثير كل مستخلص مع التكرار. ويعقب ذلك فصل المركبات من المستخلصات التي أثبتت فاعليتها. وهذه الطريقة تختصر كثيرا من الوقت وتعد أكثر دقة من الطرق التقليدية رغم أنها عملية معقدة ودقيقة للغاية. وقد استخرجنا في النهاية مركبين يتميزان بفعالية قوية وانتقائية على عدد من الخلايا المسرطنة، وأطلقنا عليهما «سِدْرِين» و«سِدْرُوسَايْد» اشتقاقا من الاسم العربي لهذه الشجرة المباركة.

فصل نادر

من المفاجآت التي ذكرها الدكتور محمود أن الباحثين فصلا مركبين آخرين نادرين من نفس النبتة من الصعب تصنيعهما معمليا. وتم اختبارهما عن طريق المحاكاة أو النمذجة الحاسوبية على فيروس نقص المناعة المكتسبة وفيروس كوفيد-19 المسبب لعدوى كورونا، وأظهرا نتائج مبشرة تؤهلهما للاختبارات الحقيقية، ولكنها بحاجة إلى دعم وتمويل سيسعى الباحثان إلى الحصول عليه.

تأثير صحي للنباتات

من ناحيته، قال الدكتور هاني خوجه: توجد في مختلف النباتات مركبات لا حصر لها وذات تأثير صحي. وعملية اكتشاف هذه المركبات وفصلها تمر بمراحل عدة وتستغرق وقتا طويلا وتحتاج إلى إمكانيات كبيرة. فمثلا، قمنا مؤخرا ببحث مبدئي على تأثير عدد من مستخلصات الكمأة (أو ما يسمى محليا بالفقع) على عدد من الجراثيم العنيدة، حيث ظهر فعلا تأثير قوي على بعض منها. وقد تم نشر هذا البحث ولله الحمد، وسنسعى بإذن الله لاحقا إلى فصل المركبات الفعالة واختبارها. ولكن قبل الادعاء بأن للمركبات الطبيعية، أو حتى المصنعة، تأثيرا صحيا نافعا للبشر فإنها يجب أن تخضع لمراحل متتالية من البحث الدقيق. فبالنسبة للمركبات التي يعتقد أن لها فاعلية ضد الأورام السرطانية، فيتم أولاً تجربتها في مختبرات خاصة يتوفر فيها ما يسمى بخطوط الخلايا السرطانية، وهي خلايا معزولة ومصابة بأنواع عدة من السرطانات، بحيث يتم تعريضها لجرعات مختلفة من كل مركب، ثم يتم تحديد أنواع الخلايا السرطانية المتأثرة، وكذلك التركيز الأكثر فاعلية لكل مركب. وفي نفس الوقت يتم تجربة المركبات على خلايا سليمة للتأكد من عدم تضررها بهذه المواد. وهذا هو الجزء الذي أنجزناه بفضل الله. فقد تم اختبار المركبين المكتشفين على 62 نوعا من الخلايا السرطانية بالتعاون مع الأستاذ الدكتور توميهيسا أوتا من جامعة كانازاوا باليابان ومع المعهد الوطني للأورام بالولايات المتحدة الأمريكية.

ثبات فعالية

أكد الدكتور هاني أن فعالية مركب «سِدرين sidrin» ثبتت ضد نوع من كلٍ من خلايا سرطان القولون (KM12) والجهاز العصبي المركزي (SF-295)، وضد نوعين من كلٍ من خلايا سرطان الدم (HL-60 و RPMI-8226) والرئة (A549 وEKVX) والثدي (BT-549 وMDA-MB-231/ATCC) والجلد (M14 و SK-MEL-5)، وكان التأثير انتقائيا ضد الأنواع HL-60 و EKVX و BT-549 و KM12 و SF-295. إضافة إلى ذلك فقد أظهر المركب فاعلية أكبر من مركب «سِدروسايد sidroside» ومركب دوكسوروبيسين doxorubicin المعروف، وذلك ضد النوعين HL-60 و EKVX. كما أظهر المركب تأثيرا مشابها لمركب دوكسوروبيسين ضد النوع BT-549 وأحد أنواع سرطان الكلية (UO-31).

كما أضاف بأنه بالنسبة لمركب «سِدروسايد»، فقد أظهر فاعلية انتقائية أكبر ضد نوع من كلٍ من خلايا سرطان الثدي (MDA-MB-468) والجلد (LOX IMVI) والجهاز العصبي المركزي (SMB-19) والمبيض (OVCAR-8) والبروستاتا (PC-3)، وضد نوعين من كلٍ من خلايا سرطان الدم (CCRF-CEM و MOLT-4) والرئة (HOP-92 و NCI-H322M) والكلية (UO-31 و RXF 393).

وكان تأثير المركبين «سِدرين وسِدروسايد» متشابها ضد نوع من خلايا سرطان المبيض (OVCAR-3)، ونوعين من كلٍ من سرطان الثدي (MDA-MB-231 و T-47D) والقولون (HCC-2998 و HCT-116)، وثلاثة أنواع من خلايا سرطان الكلية (UO-31 و 786-0 و SN 12C).

خلايا نخاع العظم

بين الدكتور هاني أن تأثير المركبين المكتشفين كان منعدما على خلايا نخاع العظم السليمة، وذلك حتى بجرعات أعلى من الجرعات الفعالة ضد الخلايا السرطانية، مما يعطي بعض الطمأنينة حول انتقائية هذين المركبين للخلايا المصابة مع عدم التأثير على الخلايا السليمة.

وختم بالإشارة والتنبيه إلى أن هذه النتائج المبشرة لا تعد دليلا قطعيا على فاعلية هذين المركبين على البشر حتى الآن. فلابد من إجراء مزيد من الاختبارات، وعلى الأخص على حيوانات التجارب المصابة بهذه الأنواع من السرطانات، وذلك للتأكد من تأثيرهما المطلوب مع كونهما آمنين وصالحين للتجربة الإكلينيكية على البشر المصابين. وبعد ثبوت الفاعلية والأمان بعد هذه المرحلة يكون من الممكن تسجيل هذين المركبين رسميا وإتاحتهما للاستخدام البشري. وذلك لأن التجارب الأولية كانت، على خلايا معزولة وليست على كائن كامل. وجميع الأدوية الجديدة عموما لابد أن تخضع للاختبارات المكثفة التي قد تستمر لسنوات عدة قبل أن تجاز للاستعمال الطبي. ولهذا فإننا سنسعى إلى الحصول على دعم وتمويل لمواصلة مراحل البحث المقبلة على هذين المركبين.

نتائج فعالية سيدرين Sidrin ضد الآتي:

ـ خلايا سرطان القولون (KM12)

ـ خلايا سرطان الجهاز العصبي المركزي (SF-295)

ـ نوعان من كل من خلايا سرطان الدم (HL-60 و RPMI-8226)

ـ نوعان من خلايا سرطان الرئة (A549 وEKVX)

ـ نوعان من خلايا سرطان الثدي (BT-549 وMDA-MB-231/ATCC)

ـ نوعان من سرطان الجلد (M14 و SK-MEL-5) وتأثير انتقائي ضد الأنواع HL-60 و EKVX و BT-549 و KM12 و SF-295.