يحتل موضوع تنمية القوى العاملة الوطنية وتهيئتها للقيام بتنمية وإدارة الاقتصاد الوطني مركز الصدارة في أولويات الدولة ولتزايد أعداد القوى العاملة الوطنية المؤهلة والمدربة التي تدخل سوق العمل سنويا ولوجود أعداد كبيرة من العمالة الوافدة التي تشغل معظم الفرص الوظيفية في القطاع الأهلي تزايد الاهتمام بموضوع السعودة كقضية وطنية تتطلب تضافر جهود الدولة وأصحاب العمل والمواطنين بكل فئاتهم وقدراتهم لتحقيقها بما يضمن الحفاظ على المكتسبات الإنمائية التي تحققت والاستفادة منها واستغلالها بصورة تضمن المستقبل المشرق للأجيال.
ومن هنا فإن إنشاء مجلس القوى العاملة جاء ليؤكد على الأهمية الكبيرة والمستمرة التي توليها الدولة للقوى البشرية ولدورها الأساسي في التنمية الوطنية ويمثل أيضا نقلة نوعية في كيفية معالجة قضايا سوق العمل عن طريق الأخذ بأسلوب التخطيط العلمي وتطوير آلياته والتركيز على التنسيق المستمر وإتمام الجهود وتكاملها بين الجهات ذات العلاقة بهذه القضايا.
وقد أنشئ المجلس القوى العاملة في فترة بلغت فيها حركة الطفرة الإنمائية أوجها في المملكة وبدأت فيها جهود التنمية تنتقل من مرحلة البناء والتشييد إلى آفاق جديدة ترتكز على تغيير البنية الاقتصادية وزيادة كفاءة الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل من خلال الإسراع بعملية التنمية الصناعية والعمل على إيجاد بيئة مشجعة لمزيد من النمو والمحافظة على تماسك واستقرار الاقتصاد الكلي.
وفي حين أن مرحلة التنمية التي أوجد فيها مجلس القوى العاملة احتفظت بكثير من العناصر الأساسية التي مثلت قوام السياسات الإنمائية في المرحلة السابقة لإنشائه، فقد اتسمت تلك التوجهات بتطورات ومستجدات في الأهداف والأولويات والآليات وخاصة في مجال القوى العاملة الذي يتزايد فيه الاهتمام بعدة أمور أصبحت تمثل المحاور الأساسية لسياسات القوى العاملة ومن أهمها توطين السعوديين والتطوير النوعي للتعليم والتدريب بما يحقق المواءمة بين مخرجاتهما واحتياجات سوق العمل، وآثار العمالة الوافدة في المملكة والحاجة للحد من وجودها وترشيده. كما أن دور القطاع الأهلي في التنمية الاقتصادية بصورة عامة، وفي توظيف العمالة الوطنية على وجه الخصوص تزايد بشكل ملحوظ خلال هذه الفترة بعد أن كانت الدولة تمثل الوعاء الأساسي لاستيعاب الذين يدخلون إلى سوق العمل من المواطنين وخاصة خريجي الجامعات الذين كانت الأجهزة الحكومية تحتكر توظيفهم خلال مرحلة الطفرة لأسباب ترتبط بالحاجة الملحة والضرورات الاستراتيجية. وعلى الرغم من أن تنمية العنصر البشري كانت دائما محل الاهتمام في المملكة منذ تأسيسها، فإن هذا الاهتمام بدأ يأخذ أبعادا استراتيجية وتخطيطية وعملية منذ حوالي منتصف العقد الهجري الماضي وذلك نتيجة لمعطيات ومتغيرات وتطورات عديدة أفرزتها جهود التنمية الكبيرة وتداعياتها في مرحلة الطفرة، وكذلك بعض المستجدات والتحديات في الساحة الاقتصادية على المستويين الوطني والدولي. وتعني السعودة بمفهومها العام توطين الوظائف وهي عملية ديناميكية بأهداف وتوجهات وإجراءات تمكن المواطنين من شغل الفرص الوظيفية المتاحة سواء أكانت شاغرة أم مشغولة بعمالة وافدة، وبحيث يجد كل مواطن راغب في العمل الفرصة الكافية للمشاركة في إدارة وتشغيل وصيانة الاقتصاد الوطني والمساهمة في بناء الوطن كل حسب قدراته وإمكاناته، وتأتي عملية إحلال المواطنين محل العمالة الوافدة ضمن إطار هذا المفهوم العام للسعودة. وتحرص الدولة على أن تكون عملية توطين العمالة مبنية على أسس علمية سليمة يراعى فيها إعداد وتأهيل وتدريب القوى البشرية الوطنية وتطويرها طبقا للاحتياجات الفعلية لسوق العمل من مختلف المهن والتخصصات بحيث تستطيع القيام بمتطلبات تلك المهن وأن تحل تدريجيا محل العمالة الوافدة دون أية اختناقات أو اختلالات في مستويات الأداء والإنتاج والخدمات في قطاعات الاقتصاد الوطني كافة.
ومنذ تولي سمو ولي العهد رئاسة مجلس القوى العاملة في المملكة جند نفسه لمواجهة (4) قضايا عاناها سوق العمل في المملكة أولها أن القطاع الأهلي يستوعب حوالي 90% من إجمالي العمالة في المملكة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن حوالي 96% من إجمالي العمالة الوافدة الموجودة في المملكة يعملون في القطاع الأهلي ويبلغ عددهم (7) ملايين مقيم ولاشك أن هذه النسب وغيرها تبين أهمية دور القطاع الأهلي في التوظيف بصورة عامة، ودرجة اعتماده كبيرة على العمالة الوافدة على وجه التحديد ومن المتوقع أن تطرق غالبية الزيادة في قوة العمل السعودية أبواب القطاع الأهلي باحثة عن العمل، ومن بين الحقائق البارزة في سوق العمل كثرة العمالة المستقدمة بتأشيرات العمالة العادية وعمالة الخدمات وكثير منها عمالة هامشية ويرتبط بوجود العمالة الوافدة عدد من الممارسات التي تشوه سوق العمل، والقضية الثانية أن تلك الظواهر التي يتسم بها سوق العمل تتعلق بضعف إسهام العمالة الوطنية بإجمالي القوى العاملة كلها وفي القطاع الأهلي خاصة، ويرجع ذلك إلى أسباب ترتبط بالعلاقة بين نظم التعليم وبين التخصصات المطلوبة في سوق العمل وتلك المتاحة في مؤسسات التعليم والتدريب، وهناك أسباب تتعلق بطبيعة النشاط الاقتصادي في القطاع الأهلي حيث يتطلب كثير من المهن تأهيلا مهنيا وفنيا، وحيث تتطلب بعض وظائف الخدمات استعدادا خاصا يصعب توافره في بعض العمالة الوطنية، أما القضية الثالثة فتتعلق بتوطين الوظائف في المملكة وأولويتها كقضية وطنية، ولاشك أن أهم العوامل المباشرة للتركيز الحالي على توطين الوظائف يرجع إلى أن البديل الوطني لعدد من فئات العمالة الوافدة قد أصبح موجودا بأعداد متزايدة في سوق العمل وأن المعروض في القوى العاملة خاصة مخرجات مؤسسات التعليم والتدريب أصبح يتدفق إلى سوق العمل بمعدلات عالية، مما يتطلب تطبيق برامج عملية جادة لتوطين الوظائف، أما القضية الرابعة فتتصل بالآثار المحتملة لانضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية على سوق العمل في المملكة، وقد أولى سمو وزير الداخلية رئيس مجلس القوى العاملة هذه القضية اهتماما كبيرا وتقوم الأمانة العامة حاليا باستكمال دراسة الموضوع في ضوء ما يتوفر لديها من معلومات، تمهيدا لرفع هذا الموضوع متكاملا إلى مجلس القوى العاملة في اجتماع يعقد لهذا الغرض.
واهتم ولي العهد رئيس مجلس القوى العاملة الأمير نايف بن عبدالعزيز بقضية السعودة فبذل كل ما يستطيع في سبيل الوصول إلى أفضل النتائج فيها موفقا في ذلك بين دور الدولة رعاها الله في تعليم وتدريب الكفاءات الوطنية وجهود القطاع الخاص في استيعاب تلك الكفاءات في شتى مجالات العمل، ولقد بذل مجلس القوى العاملة بقيادة سموه كثيرا من الجهد وأنجز عددا من الخطوات كما اقترح عددا من التوصيات لمواجهة هذه المعضلة وهذه القضية الوطنية لتحقيق أفضل النتائج وفتح القطاع الخاص وبنسب متفاوتة الباب أمام الشباب السعودي.
وتأتي في مقدمة إسهامات سمو ولي العهد رئيس مجلس القوى العاملة في قضية السعودة مبادرة المجلس بتقديم جائزة الأمير نايف بن عبدالعزيز لـ( السعودة ) تلك المبادرة التي وجدت صدى طيبا في الأوساط والقطاعات كافة خاصة الاقتصادية، كما اكتسبت قوة وزخما برعاية الدولة لها ممثلة بسمو وزير الداخلية رئيس مجلس القوى العاملة الأمير نايف بن عبدالعزيز، مما يضفي على الجائزة أهميتها وتأثيرها ويعطيها دلالتها ومعناها من ناحية ومن ناحية أخرى يزيد من تحفيز رجال الأعمال ويستنهض هممهم من أجل مشاركة الدولة في تنفيذ سياستها الوطنية ويشجع الشركات والمؤسسات على بذل مزيد من الجهود باتجاه السعودة. ولقد نشأت فكرة جائزة الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية رئيس مجلس القوى العاملة انطلاقا من اهتمام سموه بما أبدته بعض المنشآت في القطاع الخاص من تجاوب مع جهود الدولة الرامية إلى توفير فرص العمل للمواطنين، فكان توجيه سموه برصد جائزة تقديرية سنوية للمنشآت التي تحقق نسبا متميزة في سعودة وظائفها، تشجيعا للمنشآت الفائزة بالجائزة.
قرارات متخذة
لقد قام مجلس القوى العاملة برئاسة ولي العهد الأمير نايف بن عبدالعزيز بوضع خطط وسياسات عامة واتخاذ قرارات عديدة في مختلف المجالات الخاصة بتنمية وتطوير القوى العاملة الوطنية وتوظيفها، ويتلخص أبرز ما تم في هذه القضية في عدد من المجالات وعلى أكثر من مستوى أولها القرارات والخطط المتعلقة بالتأهيل والتوظيف والسعودة وهي تشتمل على قرارات وتوصيات عديدة تضمنت تطوير عدد من المعاهد التدريبية التابعة للأجهزة الحكومية إلى مستوى الكليات، وإنشاء كليات تقنية ومهنية جديدة، وتشجيع القطاع الأهلي على افتتاح معاهد ومراكز تدريب المواطنين، وخطة لاستخدام وسائل الاتصالات الموسعة في تنمية الموارد البشرية، وتنظيما لعمل المرأة في المملكة يتضمن مجالات وضوابط عملها، والموافقة على افتتاح مكاتب أهلية للمساعدة في توظيف العمالة الوطنية في القطاع الأهلي، وخططا للسعودة والتدريب في أحد عشر مرفقا من المرافق العامة والقطاعات الاقتصادية المهمة، بالإضافة إلى استراتيجية تنمية القوى البشرية في المملكة التي تغطي فترة زمنية تصل إلى 25 عاما، وخطة متكاملة للتوعية الإعلامية تهدف إلى توعية المواطنين بقضايا السعودة والتوظيف، وفي مجال الإجراءات المتعلقة بتوفير معلومات القوى العاملة تم اتخاذ عدد من الخطوات لتحديث عملية النظم المعلوماتية والإحصائية الخاصة بالقوى العاملة وتصنيفها وتوجد الآن شبكة متكاملة وحديثة في غالبية المرافق والأجهزة والمؤسسات وفي مجال الندوات واللقاءات التي سعى مجلس القوى العاملة من خلالها إلى الانفتاح على القطاع الأهلي وتلمس مشكلاته وزيادة مشاركته في جهود تنمية القوى العاملة وتدريبها، عقد المجلس سلسلة طويلة من الندوات واللقاءات منذ عام 1416هـ حول قضايا توظيف العمالة الوطنية في القطاع الأهلي، وتعد الندوة الأولى التي عقدت في منتصف ذلك العام نقطة تحول ونقلة نوعية كبيرة في تناول قضايا توظيف السعوديين في القطاع الأهلي، إذ توصلت إلى ما يزيد على 40 توصية تمت مناقشتها ووضع الآليات لتنفيذها بالتعاون مع لجان من القطاعين الحكومي والأهلي، وفي مجال الدراسات والبحوث أعد المجلس منذ إنشائه ما يزيد على 50 دراسة مهمة.
ومن أهم القرارات المتخذة من قبل سمو رئيس المجلس هو إشراكه للقطاع الأهلي في عضوية مجلس القوى العاملة، ثم توجيه سموه بضم ممثل للقطاع الأهلي إلى عضوية اللجنة التحضيرية التي يرأسها الأمين العام للمجلس والتي تتولى النظر فيما يعرض على المجلس من موضوعات قبل عرضها عليه.