فيما تشير التوقعات إلى أن سوق التعلم الإلكتروني في السعودية سيحقق إيرادات تتجاوز المليار دولار بحلول عام 2025، ارتفعت مطالبات بدعم زيادة اعتماد الفصول الدراسية عبر الإنترنت، خصوصًا مع توقعات موازية أطلقها معهد المستقبل (IFTF) في قراءة لاختلاف سوق العمل تمامًا في المستقبل القريب، حيث أشارت تلك التوقعات إلى أن 85% من الوظائف التي ستكون متاحة في عام 2030 ليست موجودة بعد، وأن الاتجاه يذهب حاليًا نحو اقتصاد العمل المؤقت والعمل عن بُعد.

وبينت دراسات حديثة أن التعليم في الوقت الراهن لم يعد بالصورة التقليدية، لا سيما مع دخول مرحلة التعليم عبر الإنترنت وانتشار الذكاء الاصطناعي والبيئة الرقمية التي تسيطر على العالم.

تغير التعليم


يرى المدير العام لمنصة «كورسيرا» التعليمية في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا قيس الزريبي، أن التعليم تغير بعد ظروف استثنائية فرضتها الجائحة التي ضربت العالم على مدى عامين متتاليين، وأن صورة التعليم العالي المفضي إلى الحصول على شهادة تقليدية باتت تختفي ببطء هي الأخرى، بينما تستعد الاقتصادات لتبني تقنيات التحول الرقمي وتتأهب لمستقبل رقمي.

ويطرح الزريبي السؤال «هل يواكب التعليم هذا التغيير ويستعد له الاستعداد الكافي؟».

ويجيب «نعم إلى حد ما، فعلى الرغم من وجود فجوة واضحة بين المهارات المطلوبة في الكوادر البشرية اليوم، والمعارف والمهارات التي تدرس للطلاب في البرامج الجامعية، فإن الجامعات تعمل على تطوير مناهجها لمساعدة الطلاب على اكتساب المهارات الرقمية المطلوبة ليتمكنوا من الحصول على وظائف في سوق عمل سريع التغير».

انتشار التقنيات

يشير الزريبي إلى أنه نتيجة لانتشار تقنيات الذكاء الاصطناعي وعمليات الأتمتة والروبوتات في معظم القطاعات يتوقع أن يختلف سوق العمل تمامًا في المستقبل القريب، وأن اتجاهات معينة مثل اقتصاد العمل المؤقت والعمل عن بُعد دفعت الشركات لإعادة النظر في إستراتيجيتها لاستقطاب المواهب والكفاءات والاحتفاظ بها للوقاية من خطر التخلف عن الآخرين. وفي الوقت ذاته، أصبح الأفراد يبحثون أكثر عن مسارات سريعة للحصول على وظائف المستقبل برواتب جيدة.

وأضاف «على أعتاب هذا التغيير يقف التعليم الذي يجب أن يصبح أكثر ارتباطًا بالعمل وأكثر مرونة وتوفرًا للجميع، ما يعني أن التحول إلى التعلم عبر الإنترنت بات أمرًا حتميًا».

النموذج السعودي

يستشهد الزريبي بنموذج السعودية في التعليم، ويقول «إذا أخذنا السعودية كمثال بسوقها التعليمية الضخمة، نجدها تتبنى فعلًا طرقًا جديدة للتغلب على تحديات المهارات السائدة وتحقيق رؤيتها في أن تصبح اقتصادًا قائمًا على المعرفة».

ويتابع «مع توقع وصول سوق التعلم الإلكتروني في السعودية إلى تحقيق إيرادات تتجاوز مليار دولار بحلول 2025، توجد أسباب عدة تدعم زيادة اعتماد الفصول الدراسية عبر الإنترنت، فالشباب السعودي متعطش للمعرفة، وهناك إحساس عال جدًا بالمسؤولية على مستوى الحكومة التي تضمن المساواة للجميع فيما يخص الحصول على سبل المعرفة والتعلم، ويقترن هذا بتوجه حكومي للحد من ظاهرة «هجرة العقول» حيث تسعى ألمع العقول الشابة للدراسة في الخارج ثم لا تعود».

واستطرد «بات سوق العمل المتغير سواء داخل المملكة أو على المستوى الدولي يدفع الشركات والجامعات لاستخدام التعلم عبر الإنترنت كطريقة لإعداد قوة المواهب والكفاءات للمرحلة القادمة من العمل التي ستُحدد فيها الشراكات بين الإنسان والآلة طريق النجاح للأفراد والمؤسسات على حدٍ سواء».

وتابع «تبقى رؤية 2030 من أهم العوامل الدافعة للتغيير لأن التعليم أحد ركائزها الأساسية، وإن كانت هناك بعض التحديات القائمة في مسألة الاستعداد للتعلم عبر الإنترنت، إذ يصنف تقرير «المهارات العالمية 2022» المملكة من الدول الـ10 الأولى في العالم من ناحية إتقان مهارات الأعمال، لكن مهارات التكنولوجيا وعلم البيانات ما زالت من المجالات التي تحتاج إلى التحسين. ومع أن المملكة تنفذ إستراتيجيات فعالة لتنمية اقتصادها الرقمي، فإن بناء كوادر بشرية تنافسية وماهرة، لا سيما في مجالات التكنولوجيا وعلم البيانات، يحقق لها عوائد على المدى الطويل».

فرص موجودة

نوه الزريبي إلى أنه لا حاجة إلى ابتكار حلول جديدة، فالحلول موجودة حاليًا، وقال «نحتاج فقط إلى ضمان تكافؤ فرص الوصول إلى التدريب على مهارات الوظائف الأكثر طلبًا، مدعومًا بشهادات تُظهر الكفاءة المعتمدة في المجالات الرئيسة، كما أن تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص يؤدي إلى دفع الابتكار في التعليم العالي، وضمان تحقيق المخطط المستقبلي الجريء للسعودية وفق رؤية 2030».

وختم «يمكن للشباب السعودي إذا استمر في التوجه نحو التعلم عبر الإنترنت أن يصبح مثالًا لأقرانه في المنطقة والعالم».

منظومة مبتكرة

شدد المستشار التعليمي في إدارة التعليم بمنطقة المدينة المنورة الدكتور محمد بن مسلم السناني على أن «التعليم الإلكتروني من أهم أساليب التعلم الحديث، وهو جزء لا يتجزأ من منظومة التعليم، وقد تطور تطورًا كبيرًا خاصة في ظل جائحة كورونا، وكان لزامًا على منظومة التعلم أن تبتكر وسائل تعليمية تعتمد على توظيف التقنية وصولًا إلى كفاءة أفضل، وقطاع التعليم في ظل هذا التقدم الهائل في التقنية يعد استثمارًا جيدًا مقارنة بالتعليم التقليدي وفي ظل الرؤية الطموحة للمملكة 2030 وهو مجال جيد في تمكين العاملين في التعليم وحاجة المعلمين والطلاب في تنمية المهارات وتطويرها وتنمية أكثر في القدرات، كما أنه يؤدي لتوسيع دائرة التنافسية على المدى البعيد والتنمية ومواجهة التحديات ومعالجة كثير من الثغرات التي لم يسدها التعليم التقليدي، وأرى أنه لا بد من وجود دراسات جدوى اقتصادية توضح مدى تكاليف ومنافع هذا النوع من التعليم، وستساعد تلك الدراسات المهتمين في الوصول إلى قرارات داعمة ونوعية».