وقد أدرجت اليونسكو، الأربعاء الماضي، «جبل عكمة»، الواقع شمال محافظة العلا، ضمن سجل «ذاكرة العالم»، حسب ما أعلنته الهيئة الملكية لمحافظة العلا، لتسجل إنجازا جديدا بعد إدراج مدينة الحِجر التاريخية ضمن قائمة التراث العالمي في 2008 (أول موقع سعودي في القائمة)، وتسجيل محمية «حرة عويرض» في برنامج الإنسان والمحيط الحيوي (الماب) العام الماضي. وتسجيل حجر زهير وهو في منطقة العلا في "ذاكرة العالم" عام ٢٠٠٣. ويعد أقدم نقش إسلامي مؤرخ ويعود تاريخه إلى عام ٢٤ للهجرة.
وغرّد وزير الثقافة، الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان: «تم تسجيل جبل عكمة في ذاكرة العالم، التابع لمنظمة اليونسكو، ضمن رؤية السعودية 2030».
ويُعدّ «جبل عكمة» أحد المراكز الخمسة الرئيسة ضمن مخطط «رحلة عبر الزمن»، ويمهد إدراجه ضمن «ذاكرة العالم» لتصبح العلا وجهة عالمية رائدة للتراث الثقافي والطبيعي.
وجاء هذا الإدراج في إطار التعاون الذي يربط الهيئة الملكية للمحافظة مع «اليونسكو»، وشبكة الشركاء العالميين للهيئة مثل «الآيكوموس السعودي»، ومتحف «اللوفر» الفرنسي، و«الوكالة الفرنسية لتطوير محافظة العلا».
ما هي ذاكرة العالم؟
لأن التراث الوثائقي يمثّل الذاكرة المشتركة للإنسانية، فقد وجدت اليونسكو أن من الواجب حمايته لمصلحة البحوث، ومشاركته مع أكبر عدد ممكن من البشر، لأنه جزء أساسي من التاريخ الجماعي للبشرية، حسب ما ذكرت المديرة العامة لليونسكو، أودري أزولاي.
ويسعى سجل «ذاكرة العالم»، الذي أسسته اليونسكو في 1992، إلى منع فقدان التراث الوثائقي بصورة نهائية.
ويُقصد بـ«التراث الوثائقي» الوثائق أو مجموعات الوثائق ذات القيمة المهمة والدائمة، سواء كانت وثائق ورقية أو سمعية بصرية أو رقمية، أو بأي صيغة أخرى.
ويرمي السجل إلى صون هذا التراث، وجعله متاحا لعامة الناس أكثر فأكثر.
استئناف بعد توقف
أوقفت عمليات الإدراج في سجل «ذاكرة العالم» 2017 بسبب خلافات بين الدول ذات صلة بعملية الترشيح، وقد أمكن تعديل الإجراءات بفضل عمل جماعي واسع النطاق، واستؤنفت الترشيحات في 2021، التي أفضت إلى اتخاذ المجلس التنفيذي لليونسكو قرارا بالإجماع، في 24 مايو الحالي، بإدراج 46 مجموعة وثائقية جديدة.
ويتضمن سجل «ذاكرة العالم» 494 مجموعة من التراث الوثائقي من جميع مناطق العالم، وذلك بعد إدراج العناصر الجديدة فيه التي تعود إلى 56 بلدا ومنظمة.
وهذا التراث محفوظ على أنواع مختلفة من المواد، التي تتراوح بين الحجر والسليلويد وبين اللفائف والأقراص المعدنية، وأصبح هذا التراث المميز ذي القيمة العالمية محفوظا للأجيال القادمة حاله كحال المخطوطات الفارسية المصورة والملونة أو المحفوظات المعمارية لأوسكار نيمير أو مخطوطات بانجي تاله.
فرادة الجبل
يشكّل إدراج «جبل عكمة» ضمن «ذاكرة العالم» فرصة مثالية لتجربة ثقافية تستهدف الباحثين وعلماء الآثار والمتخصصين والزائرين من كل أنحاء العالم، حيث تتجاوز نقوشه 300 نقش ورمز، وتعود إلى النصف الثاني من الألفية الأولى قبل الميلاد، بينما تعود أقدم النقوش إلى 644 قبل الميلاد. كما يحتوي الجبل على 450 نقشا للغات العربية ما قبل النبطية القديمة، وهي الآرامية والداديانية والتمودية والمينائية، ويضم رموزا ذات دلالات تاريخية تكشف عن تطوّر اللغات واللهجات، بما فيها الكلمات والطقوس الدينية والأنشطة والممارسات الثقافية التي عرفتها الحضارات القديمة المتعاقبة التي عاشت في العلا.
كما تكتسب تلك النقوش أهمية خاصة من جهة أصالة وسلامة المعلومات المحفوظة فيها، وارتباطها بالحضارات والممالك العربية القديمة، ناهيك عن قيمتها المعرفية التي تبرز موقع العلا التاريخية المهم، بوصفها ملتقى للتبادل الثقافي عبر الزمن خلال الحضارتين الدادانية واللحيانية.
أكبر المكتبات القديمة
يتربع جبل عكمة على بُعد 5 كلم شمال العلا، ويُعد أحد أبرز المواقع التاريخية في المحافظة، ويضم آلاف النقوش القديمة المنحوتة في المنحدرات، ويصنّف كأكبر المكتبات المفتوحة في الجزيرة العربية، لنقوشه الأثرية المدونة منذ آلاف السنين.
وترمي الهيئة الملكية لمحافظة العلا إلى مشاركة إرث العلا مع العالم، لاستكشاف معالمها وبيئتها الطبيعية الثقافية، بما يعزز التزامها بمضاعفة أهمية المكانة التاريخية للمحافظة، وإبراز مكنوناتها الثقافية.
وأصدرت الهيئة بالشراكة مع «اليونسكو»، خلال الأيام الماضية، النشرة الإخبارية الأولى لبرنامج «ذاكرة العالم العربي للتراث الوثائقي»، الذي يسلط الضوء على إرث العلا، وأهمية توثيق التراث، وإثراء الحضارات والتواصل الثقافي.
وقد سلطت النشرة الضوء على مجموعة متنوعة من النقوش التي تعرض تاريخ العلا، وتركز على تعزيز التواصل بين الحضارات، وتعكس جهود حماية المواقع التاريخية والطبيعية والثقافية للمحافظة.
دراسة وكتابات لحيانية
في بحثه الذي طبع في كتاب حمل عنوان «قراءة لكتابات لحيانية من جبل عكمة بمنطقة العلا»، والذي نشر في 1997، يذكر حسين بن علي دخيل الله أبو الحسن نحو 196 نقشا لحيانيا في الجبل، إلى جانب 151 نقشا آخر غير لحياني ربما تعود إلى العصر الحجري الحديث 8000 إلى
10000 سنة من الوقت الحاضر.
هدف أبو الحسن من بحثه إلى إعادة دراسة 40 نقشا لحيانيا من نقوش جبل عكمة، التي درستها الباحثة الألمانية «روث شتيل»، بالإضافة إلى دراسة مجموعة جديدة من نقوش جبل عكمة لم تُدرس من قبل.
كما هدف البحث إلى محاولة إيجاد تفسير مقبول لوجود هذه المجموعة من النقوش في موقع الجبل، الذي يكاد يخلو من أي بقايا أثرية يمكن أن تفسر سبب وجود هذه النقوش في هذا الموقع.
مملكة ددن ولحيان
في تقديمه للبحث، يذكر الدكتور عبدالرحمن الأنصاري النقوش التي ظهرت في العلا، والتي جعلتها متميزة عن غيرها من مدن شمال غرب المملكة، ويؤكد أنه لعل أقدم تكوين سياسي نشأ في تلك المنطقة، والنصوص المكتشفة حتى الآن لمملكة سُميت «مملكة ددن»، التي وضعها العلماء المختصون من الناحية التاريخية في نحو القرن السادس قبل الميلاد، ثم وجدوا مملكة أخرى أطلقوا عليها اسم «مملكة لحيان»، ووضعوا بداية لتاريخها بين القرن الخامس والقرن الرابع قبل الميلاد.
ويتصور الأنصاري أن تكون «مملكة ددن هي مرحلة أولى من مراحل مملكة لحيان عندما كانت المملكة تنسب إلى المدينة، البذرة الأولى في بناء القوة السياسية للدولة الكبرى».
ويجعل الأنصاري للدولة اللحيانية 3 مراحل: الأولى من القرن السادس حتى القرن الخامس قبل الميلاد، ثم الثانية، وهي مرحلة الخروج من قوقعة المدينة إلى مجال أوسع، وكانت هذه المرحلة هي قمة وأوج حضارة لحيان، ثم المرحلة الثالثة التي كانت في نهاية القرن الثالث قبل الميلاد، وهي المرحلة التي خرجت فيها لحيان إلى آفاق جديدة تتناسب مع النشاط الاقتصادي في الجنوب والشمال.
وهكذا أصبح للحيان مدى واسع يتناسب مع مركزها الإستراتيجي كعنق زجاجة بين الجنوب والشمال، حيث كانت تسكن مدينة ددن، وتقودها قبيلة لحيان.
تصويب
يشدد الدكتور أبو الحسن، في بحثه، على أن ربط نقوش عكمة بالموقع الذي وُجدت فيه يؤكد أن المنطقة المحيطة بالجبل كانت مكان نزول أرباب القوافل والتجار القادمين من خارج منطقة العلا.
ويجزم: «بعد دراسة أسماء الأماكن الواردة في نقوش عكمة نستطيع القول إن مملكة لحيان كان نفوذها واسع في المنطقة، إذ إنه يمتد من خليج العقبة شمالا أو أبعد من ذلك إذا افترضنا أن اسم دعمن الوارد في النقوش يعني مدينة عمان (ربة عمون) عاصمة الأردن حاليا، ويصل في اتجاه الجنوب إلى مدينة بدر وما بعدها».
مجتمع زراعي
يؤكد الدكتور أبو الحسن أن نقوش عكمة تثبت أن غالبية المجتمع اللحياني مجتمع زراعي، فهي تتحدث عن تقديم زكوات عن محاصيل زراعية، وقليل منها يتحدث عن تقديم زكوات عن أنعام مثل الإبل أو الغنم وغيرها.
كما يوضح أن الرسوم التي وجدت على صفحة جبل عكمة الشمالي ليست لها علاقة بالنقوش اللحيانية، إذ إن هذه الرسوم أقدم من النقوش، فلون حفر الرسوم على الصخر داكن أكثر من لون حفر النقوش بصفحة الجبل نفسها.
كما يؤكد كذلك أن بعض النقوش ضربت على بعض الرسوم، وهذا يؤكد أن الرسوم تعود لمدة زمنية أقدم من المدة الزمنية التي تعود إليها النقوش، وكل هذا يجزم بعمق تاريخ المنطقة.
جبل عكمة التاريخي:
ـ أحد الجبال الشاهقة في المملكة
ـ يميل لونه إلى الأحمر
ـ يطلق عليه مكتبة لحيان
ـ يحتوي على كثير من الكتابات والنقوش
ـ تنتشر الكتابات والنقوش على منحدراته ووجهاته الصخرية
ـ تحكي النقوش شكل الحياة في المنطقة خلال عصري الدولتين الدادانية واللحيانية
ـ يقدم معلومات عن الحياة الإنسانية والحضارية في مملكة لحيان
- يقدم معلومات عن القوانين والتنظيمات التي كانت تحكم المجتمع تلك الفترة
ـ يقدم معلومات عن الحياة الدينية في المجتمع اللحياني سياسيا واقتصاديا
ـ يكشف عن المعاملات التجارية في فترة حكم مملكة لحيان
ـ تقدم النقوش فكرة عن مراحل تطور الكتابة، وذلك عبر أشكال الحروف
ـ يعرّف بوسائل الترفيه في مملكة لحيان، حيث كان أهلها يعزفون على آلات وترية مثل السمسمية، ويستخدمون المزامير والطبول
ـ تؤكد النقوش معرفة اللحيانيين بالمهن الدقيقة مثل النحت وصياغة المعادن