يستطيع المتأمِّلُ في قصائد مدح صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ عند الشعراء السعودييّن عامّة، ومنهم شعراءُ عسير، أن يلحظ فروقاً - في الأسباب والبواعث - بين قصيدة مدح الأمير سلطان عند هؤلاء، وقصيدة المدح في الشعر العربيّ القديم؛ ذلك أنّ قصيدة المدح عند الشعراء السعوديّين صارت ممزوجةً بالحسّ الوطنيّ، والحبّ النابع من الوجدان، بل إنّها – في الغالب – قصيدةٌ وطنيّةٌ تستحضرُ -بإيمانٍ كاملٍ- إيجابيّاتِ مآلِ الأحوال في ظلّ الوحدة الوطنيّة، لأنّ قصائدَهم ليست إلا صدى لما يجيش في وجدان المجتمع، ولم تكن كثرةُ قصائد المدح عند شعراء الجيل الأوّل من شعراء عسير إلا نتيجةً لابتهاجهم بتغيّر الأحوال، التي كان للأمير سلطان فيها دور واضح، من خلال زياراته المتكررة، وعنايته بالمدينة العسكرية والقاعدة الجوية اللتين كانتا سبباً مهماً من أسباب التنمية في منطقة عسير، فضلاً عن صفاته الشخصية النادرة.

وربّما اتسمت أحكام الدكتور بكري شيخ أمين على موضوع المدح عند الشعراء السعوديّين بالقسوة والتعميم، ونقص الاستقراء؛ فهو يرى أنّ مديح الشعراء السعوديين لملوكهم وأمرائهم لا يحملُ جديداً – في المعاني أو البواعث- يجعله مختلفاً عن المديح في الشعر العربي القديم، ويحصرُ الجديد في "إحلال بعض الألفاظ محلّ غيرها"، نافياً أن يكون: ظهور الروح الوطنيّة، أو تقليص الحديث عن ذات الممدوح، أو الحديث عن إصلاحات الممدوح، من السماتِ الجديدة للمدح في الشعر السعودي، وقد يكونُ حكمه هذا نابعاً من كونه لم يشهد التغيّرات التي طرأت على البلاد في ظلّ الوحدة الوطنيّة، وهي التي عاصرَها شعراءُ الجيل الأوّل، وأدركوا أسبابَها، فكانت مدائحهم نابعةً من الإيمان بإيجابيّات الواقع الجديد، وربّما لم يتنبّه الدكتور بكري شيخ أمين إلى أنّ العلاقة بين الشاعر والسلطة في المملكة، علاقةٌ معقّدة تقوم على الحب، وتتجاوز مسائل: المديح، والعطاء، والاستجداء، إلى كونها عاملاً مهمّا من عوامل توجيه الأدب، وازدهاره، أو خموله، وهي ليست علاقة دون موقف، وإنّما هي مبنيّةٌ على موقف، حتّى في حالات الإشادة، ولذا تختلفُ أهدافُ ومناسباتُ قصيدة المدح عند الشعراء السعوديين- ومنهم شعراء عسير- عمّا كانت عليه أهدافُ ومناسبات قصيدة المدح العربيّة القديمة.

ولقد كان صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ من أكثر الممدوحين بالمعاني النبيلة، عند شعراء عسير، حيث يتجه إلى الأمير سلطان نصيبٌ كبير من مدائح شعراء عسير، وربّما يعود ذلك إلى شخصيّته القريبة من الناس، وحبه للعطاء، وكثرة أعماله الخيرية، ومواقفه السياسيّة الدالة على الحكمة، وكونه فاعلاً منذ وقتٍ مبكّر، حيث تقلّد ـ رحمه الله ـ عدّة مناصب قبل أن يكون وزيراً للدفاع، ثم وليّاً للعهد.

وحين اتجه شعراءُ الجيل الأوّل من شعراء عسير بمدائحهم إلى الأمير سلطان، فقد كانوا يبتهلون في المناسبات المختلفة للقول في شخصيّته الكريمة المعطاءة، ووجهه البشوش، وينسبونه إلى أصله، كما هو الحال عند الشاعر عبدالله بن علي بن حميد ـ وهو من شعراء الجيل الأول ـ في قصيدة عنوانها: "قائد الجيش"، ألقاها مرحباً بالأمير سلطان في عسير، في أواخر التسعينات من القرن الماضي. يقول:

مرحباً يا ابن عبدالعزيز فإني

عند تعداد مجدكم مثل باقلْ

بأمير الشباب طلق المحيا

أبلج القسمات حلو الشمائلْ

شبل عبدالعزيز صنو المعالي

وأليف القنا وبيض المصاقلْ

ومما يؤيد القول بأن شعراء عسير كانوا يتجهون إلى الأفعال الإنسانيّة الصادرة عن الأمير سلطان، أن الشاعر أحمد عسيري حين يمدح الأمير سلطان بالمعاني الإنسانية، وبعد أن يشبه نور وجهه بالصبح، يصفه بكونه جامع النبل والقيم، وأنه وجه السعد، مشيراً إلى كرمه وإنسانيته التي تهتم باليتامى والمرضى، يقول من قصيدة عنوانها: "يا أبيض الوجه":

من صبح وجهِك هذا الضوء والحلمُ

وعلى جبينك يزهو النبل والقيمُ

ترنو إليك قلوب الناس قاطبةً

فأنت ياسيدي أهل لهم ودمُ

أما الشاعر علي آل عمر عسيري، فإنه يذهب نحو معاني الفداء أمام الأمير سلطان، بوصفه وزيراً للدفاع، ويناديه بكنيته المحببة إليه "أبو خالد"، جاعلاً منه القائد المطاع، وصاحب القرار، إذا مُست حدود الوطن. يقول:

أبا خالد هاهم الأوفياء

رجالك أهل الفداء الأكيدْ

أنالوا بأرواحهم طائعين

ونصّوا البيارق في كل بيدْ

ونحن جميعاً حماة الهدى

يبيد لأجل الهوى ما يبيد

ويؤكد الشاعر إبراهيم طالع الألمعي، على زيارات الأمير سلطان المتكررة إلى عسير، واصفا إيّاها بأنها العيد في كلّ عيد، وأن زيارته ليست حدثاً، لأنه مقيم دائم في قلوب الأهالي، فهو الحال في قلوب وضمائر الناس، الذين يرون في زيارته سحائب تتهادى، ونميراً يجري. يقول :

حلّ قلباً ومقلة وضميرا

لا ربوعاً وخيمة وسطورا

يوم أصحى وحين أضحى مطيراً

واستطابت ربى عسير العبيرا

وفضاءاتُ كونها كل شبرٍ

يا ابن عبدالعزيز ينبض نورا

لم تزرْنا فأنت فينا مقيمٌ

في قلوب تعهدتك شعورا

ولا يبتعد الشاعر محمد علي العمري، عن معاني إبراهيم طالع الألمعي، حين يرحب بالأمير سلطان، واصفاً بهجة المكان وأهله بزيارته وصفاً يبتكر فيه الصور، فيجعل مما يهطل من الغيم دموع فرح، والزهور ابتسامات، ويحول أشعة الشمس إلى أوتار، جاعلاً من الزيارة عيداً، ومعبراً عن الحب الجماعي الذي يشعر به الناس تجاه الأمير. يقول:

يا مرحباً بك في أبها فأنتَ لها

عيدٌ به سائر الدنيا تهنّيها

ودمع فرحتها في جفن غيمتها

وبسمة الحب زهرٌ في روابيها

والشمسُ قد أرسلت أوتار فرحتها

والأرض قد عزفت أحلى أغانيها

وكانت زيارات الأمير سلطان لعسير، تتوافق مع العيد، ولذا استلهم الشعراء هذا المعنى، وكرره محمد علي العمري في قصيدة أخرى حين قال:

فللعيد في كل الخوافق لذّةٌ

وعيدكِ يا أبها بسلطان أعذبُ

فعامُك يزهو إذ جعلتِ ختامَه

بلقيا أمير من شذا المسك أطيبُ

ويربط العمري بين المكان، وبين الأمير ربطاً بديعاً، فيجعل صفات المكان صدى لصفات سلطان بن عبدالعزيز، يقول في مطلع قصيدة أخرى:

كطهرك أبها قلبها فيك يبحرُ

كجودك أبها حبها لك يمطرُ

كوجهك أبها فجرها بك مشرقٌ

كذكرك أبها روضها منك يزهرُ

كعطفك أبها كالنسائم عذبةٌ

كروحك أبها صفوها لا يكدّرُ

وهكذا، تمتاز قصائد شعراء عسير في مدح الأمير سلطان بن عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ بعدد من السمات العامّة التي يمكنُ إجمالُها فيما يلي:

أولاً: أنّ جلّ قصائد المدح عند شعراء عسير إنّما كانت تُقالُ في المناسبات والاحتفالات، ولم تكن هذه القصائد مدحاً خالصاً، بل إنّها تأتي على أكثر من موضوع؛ فتصف التنمية والأمن والرخاء، وتصف الطبيعة وصفاً تتخلّله الإشاراتُ إلى دور الأمير سلطان فيما آلت إليه الأحوال، وربما وصف بعض الشعراء صفات الطبيعة الخلابة، بشمائل الأمير الطيبة، ممّا يجعلُ من قصائد مدح الأمير سلطان نماذج لاتجاهات القصيدة المدحيّة عند شعراء عسير في العقد الأوّل من القرن الخامس عشر الهجريّ، إذ يظهر فيها تباين هؤلاء الشعراء من حيث: التقليد والتجديد، والقدرة على توليد المعاني والصور.

ثانياً: تمتزجُ هذه القصائد – في أكثرها – بالروح الوطنيّة، فقد كانَ الحديثُ عن الوطن ووحدته ومنجزاته مدخلاً للقول في الأمير سلطان بوصفه رمزاً وطنيّاً فاعلاً، وسياسياً حكيماً.

ثالثاً: تكادُ قصيدة مدح الأمير سلطان، تخلو من معاني طلب العطاء، وربّما تضمّنت بعضُ القصائد شيئاً من وصف كرمه، وصفاً لا يذهبُ إلى طلب العطيّة طلباً مباشراً.

رابعاً: كان جلّ شعراء عسير يسبغون على الأمير سلطان صفات: الكرم، والشجاعة، والصلاح، والحزم، وغيرها من الفضائل المعروفة التي أشار إليها قدامة بن جعفر، بيد أنّها تمتاز بالتركيز على المنجز الذي تكون للأمير سلطان فيه يدٌ طولى، وتتجه نحو الأفعال الإنسانيّة الصادرة عنه، وتكثر من ترديد معاني البشاشة التي عرف بها الأمير سلطان رحمه الله.

خامساً: يظهرُ – في بعض قصائد مدح الأمير سلطان عند نفرٍ من شعراء عسير – ميلُهم إلى الاستطراد في المدح؛ فالشاعر الذي يمدح الأمير سلطان مثلاً، يذهب بالقول إلى مدح الملك عبدالعزيز ـ طيب الله ثراه ـ وأبنائه الملوك على التوالي، وهي ظاهرةٌ نجدُها عند شعراء الجيل الأوّل الذين عاصروا غيرَ عهد، من أمثال: عبدالله بن علي بن حميد، ويحيى بن إبراهيم الألمعي، وأحمد بن إبراهيم مطاعن، ومحمد بن حسن العمري، وزاهر بن عوّاض الألمعي، وغيرهم ممن تحول المساحة دون استعراض نماذجهم الشعرية.