الحوكمة بناء نظامي يسمح للمؤسسات أن تعمل بشكل متناغم بغرض تحقيق أكبر قدر من العوائد وحماية المصالح الاقتصادية والوطنية. وهي شرط لازم لحل المعوقات وصنع القرارات الصائبة والصالحة والتي من شأنها تعزيز التنمية والاستقرار. فمن شأن الحوكمة أن تؤثر على كيفية تحقيق الأهداف المؤسسية، بالإضافة إلى رصد المخاطر وطرق تفاديها ورفع كفاءة الأداء في المنظومة وتوابعها. فالحوكمة هي جوهر النظام وآلية البناء والتشغيل ونهج لتحقيق المكاسب، ونجاح تطبيق الحوكمة إنما يعود إلى النهج المتكامل الذي يتم تطبيقها من خلاله.

لذا جاء في المقام الأول وضع حكومتنا الرشيدة بقيادة سمو سيدنا وقائدنا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله – قواعد الحوكمة لمركز الحكومة بشكل شامل ونافذ. وأن ما شهدناه ولمسناه من أثر مشتمل على إعادة موضعة المملكة العربية السعودية ومصالحها على خارطة العالم برؤية طموحة يبرهن على حسن الحوكمة وجودتها لتحقيق مستهدفات الرؤية 2030، والتي أقل ما يقال اليوم فيها إنها أصبحت حقيقة، حيث إنها أسفرت لا عن تنفيذ متسارع استثنائي فقط، بل تنفيذ تحققت معه كثير من الأرقام المستهدفة في بكورها. فعملية الحوكمة هذه إنما هي حوكمة للمستقبل، والمستقبل هو الآن الذي نعيشه.

ومع هذا الحراك الضخم والمستشرف للمستقبل فإنه ينبغي أن تتوافق جميع أنظمة الحوكمة وسياساتها في المؤسسات العمومية، لا من حيث التخطيط الإستراتيجي فقط بل من حيث حسن التنفيذ وإدارة الموارد. ولا يتأتى ذلك بلا تقييم حقيقي للأهداف المؤسسية ومواردها وتقديم ما يبرهن على قدرتها التنفيذية بالاتساق مع الرؤية المستقبلية. وإن إحدى ركائز تصميم الحوكمة الصحيحة هو وضع المعايير والاشتراطات التنفيذية والإدارية التي تتناسب مع هدف المؤسسة والغرض منها مع تجذير القيم المنشودة من أمانة وشفافية وموثوقية الأداء وسلامة السياسات الداخلية وانعدام كل ما يضاد ذلك.


إن عملية الحوكمة المؤسسية السليمة وقوتها من شأنها أن تنعكس وبشكل فعال على الأداء الاقتصادي والاجتماعي للمؤسسات واختزال عامل الزمن مع قدرتها على المنافسة واستدامة قيمتها على المدى البعيد. وعلى المستوى المحلي فإن عملية حوكمة النظام من المركز إلى الأطراف ومراجعة أثره تحتم على المسؤولين في المؤسسات العمومية التأكيد على تحقيق هذا التواءم والقيام بالوظائف المؤسسية الصحيحة وفي الوقت الصحيح. فلو وضعنا المؤسسات في معادلة الحوكمة والبناء فإن المؤشر المأمول قراءته مرتبط بإشباع ما جاء في المقام الأول من مركز اتخاذ القرار من تحقيق مستهدفات الوطن وحماية روافده واستثمارها بالشكل الأمثل.