في الوقت الذي يعتبر فيه كل العالم أن التعايش وحوار الأديان من قيم المواطنة العالمية، ومبدأ من مبادئ الحفاظ على حقوق الإنسان تأتي قصة الشكاوى التي تقدم بها بعض المبتعثين إلى الملحقية الثقافية في كندا والتي أشاروا فيها إلى إلزام إحدى الجامعات الكبرى بدراسة مقرر يُدعى "علم الأديان" والذي تُصنفه الجامعة على أنه "مادة ثقافية" إلزامية تتضمن معلومات شمولية عن كافة الأديان كالإسلام والمسيحية واليهودية والبوذية.. بالطبع لست هُنا الآن في معرض الحديث عن صحة الخبر الذي نشرته صحيفة "الوطن" في استجابة الملحقية الثقافية حول قرار إيقاف التعامل مع الجامعة وتحويلهم إلى جامعات وكليات أخرى؛ بقدر ما أريد تناول ماهية الأسباب والمبررات التي دفعت الطلبة إلى هذا السلوك، إنني أتسأل: إذا كان ديننا الإسلامي لا يمنع المعرفة الشمولية للأديان، فلماذا إذن التوجس والقلق من الآخر المختلف دينياً لمجرد دراسة مقرر عام؟ أليس في ذلك دلالة على ضعف في الاعتقاد؟ هل نسي الطلبة أن الدين الإسلامي يحترم كل الأديان والتي يتبعها ثلاثة أرباع سكان الكرة الأرضية؟ أليس ذلك يكشف عن خلل في بنية التفكير لدى الطالب وما تشربه خلال دراسته في مراحل التعليم العام؟

إنني أعتقد أن مناهج تدريس التاريخ الإسلامي في صفوف التعليم المدرسي لها دور كبير في تشكيل نظرة الطالب للشعوب الأخرى، ومدى تقبله للآخرين المختلفين وتسامحه معهم، فأحد المناهج المُتبعة في تدريس هذه المادة في مُعظم البلاد العربية والإسلامية يقوم غالباً على التركيز على المؤامرات التي قام بها الأعداء في الماضي وحتى يومنا هذا لإثارة الفتنة والفرقة والدسائس التي يحيكها العدو من أجل التربص بالمسلمين، ولتأجيج الصراعات والانقسامات في الداخل الإسلامي، كُل ذلك بهدف إضعاف الدين والسيطرة على المقدرات والموارد، والنتيجة هي أن يخرج الطالب بتصورات هزيلة عن المجتمعات الأخرى يتمثل أولها في أن التاريخ الإسلامي هو تاريخ الشخصيات السياسية الصانعة للأحداث وحروبهم مع الأعداء وتهميش دور المجتمع الذي ساهم بشكل كبير في صنع التحولات، وبالتالي انعكست هذه المنهجية في تشخيص الطالب للمجتمعات الغربية ليتم اختزالهم في دائرة ضيقة جداً ووضعهم جميعاً في سلة واحدة. والتصور الآخر هو تنمية وعي الطلبة على أساس التصديق بأوهام التآمر الخارجي على الإسلام والمسلمين، وبدلاً من معالجة هذه التصورات غير الموضوعية يأتي أحد الدعاة الأبطال صاحب الكاريزما الجماهيرية ليُكرس هذا الاتجاه السلبي بشكل أعمق في الوعي الاجتماعي لتكون نتائج هذا النمط من التفكير كالتالي:

1- الثناء على الذات المستمر والانتفاخ المبالغ فيه، وفي ذات الحال تجد التسطيح بالآخرين وبخس حقهم التاريخي، وكأن تاريخنا الإسلامي هو تاريخ ملائكي. والمحصلة هي العنصرية والتطرف تجاه الشعوب الأخرى. والمتابع لمجريات الأحداث في التاريخ الاسلامي يُدرك هذا الأمر بشكل واضح.

2- أوهام التآمر تجاه الشعوب جعلتنا في حالة إقصاء وإلغاء مستمر للآخر المختلف معنا سواء كان في الإطار الديني أو المذهبي.

3- من المسؤول عن عيوبنا وأخطائنا قديماً وحديثاً؟ ستكون الإجابة هو العدو الأجنبي. ولعل اختراع الشخصية التاريخية اليهودية الوهمية لعبدالله بن سبأ لهو خير شاهد على ما نقول.

إنني أقول أخيراً علينا إعادة النظر في مناهجنا التاريخية في صفوف التعليم العام:

1- أهمية دمج مبادئ حقوق الإنسان في مناهجنا الدراسية.

2- أهمية دمج مهارات التفكير بشكل أكثر عمقاً لتكوين عقلية نقدية للطالب يستطيع من خلالها النظر للأمور بأكثر من زاوية، حتى يُكون رؤية متوازنة للماضي، وبالتالي تتغير تصوراته للحاضر والمستقبل.