بادرته بقولي: "كنت مأخوذاً بهذه الشفافية والمناقشات الحادة، والمحاسبات الصريحة من لدن أعضاء الجمعية العمومية؛ لذلك لم أعلق أو أشارك".

الجملة الآنفة، كانت جواباً لسؤال زميل إعلامي تساءل عن سبب صمتي وعدم تعليقي في اجتماع الجمعية العمومية لنادي جدة الأدبي مساء الثلاثاء الماضي، الذي حظي بمناقشة مشروعات وخطط مجلس الإدارة التي عرضها على أعضاء الجمعية العمومية.

كنت حفياً جداً بالاعتراضات والمحاسبة – رغم أنني عضو مجلس إدارة في النادي - وسؤالنا عن كل قرش تمّ صرفه، وإبداء أعضاء الجمعية استياءهم أو رضاهم عن أداء الإدارة المالي، التي بدورها عرضت ميزانيتها بشفافية كاملة، وعرضت برامجها للمرحلة المقبلة، كي يصوّت عليها أعضاء الجمعية العمومية بالموافقة.

كان عرساً حقيقياً، وكنت أعيش حالة فرح كبيرة بلا مبالغة، فالأجواء التي سادت هي رسالة واضحة: ألا استبداد في الرأي أبداً، والجميع من حقّه المشاركة في القرار، ومن حقّه الاطلاع على مسار كل ريال في خزينة النادي، ومن حقّ عضو الجمعية العمومية محاسبة الإدارة إن قصّرت في أدائها، أو حادت عن النهج الذي اتفق الجميع عليه. وإن كانت ثمة أخطاء أو حيدة منها، فمن حقّ هذه الجمعية إسقاط مجلس الإدارة، وهذه لعمرو الله عبقرية وجمال العملية الانتخابية.

جمعني مجلس كريم قبل أسبوعين، مع أكاديمي فاضل كريم من أعضاء مجلس الجمعية العمومية لنادي جدة الأدبي، وكان عاتباً جداً، بل ساخطاً على أداء ومسيرة النادي، وقال لي: "كنت مع هذا المجلس وانتخبته، ولكني الآن في المعارضة"، وانتظر ردّة فعلي، فقلت مبتسماً: "من حقك يا دكتور ذلك، بل هنا تكمن روعة آلية الانتخابات، إنْ لم نحقق لكم ما تصبون إليه، فمن حقكم التصويت على إسقاطنا، والكرسي ليس أبدياً، بما كان قبلاً، فنحن في عهد جديد، ولا مكان إلا للعاملين المنجزين، أما جوقة رافعي العقائر بالوعود، فقد مضى زمنهم، وكذلك أولئك الزاعقين الذين لا يعجبهم شيء، لا يعملون ولا يتركون غيرهم يعمل، فأيضاً يسقطون، لأن التصويت يحسم أي موضوع ويعطيه دعماً وقوة، ويتضح من خلاله عدد المؤيدين من أولئك الزاعقين، الذين تتكشّف ضآلتهم ومجهريتهم، أمام جموع المؤيدين، وقد كان الواحد منهم يرفع عقيرته عالياً في زاوية صحفية، أو موقع بـ(تويتر) أو (الفيس بوك)، ويظن المجتمع الثقافي أنهم الصوت الأقوى، فيأتي التصويت اليوم ويكشف ضآلتهم".

كنت أقول للزملاء في مجلس الإدارة، وقتما تحسّس بعضهم من افتراءات وتهم مغلوطة نشرت في بعض الصحف، وقام برميها بعض المعارضين عبر علاقاتهم بصحفيين يستمرئون نشر الأكاذيب لهم؛ بأن هذا السلوك يجب التعايش معه، فحتى في الغرب، توجد مثل هذه الصحافة الصفراء، بل يتجاوز الأمر في الطعن بالأشخاص، إن في ذممهم المالية أو سلوكهم الأخلاقي، دون أي رادع من ضمير أو خلق أو دين، بل أبعد من ذلك في تفتيش البعض في حيوات الفائزين الخاصة، والكشف عن خصوصياتهم، وإشهارها بطريقة قميئة، وعلينا الاحتياط والتعايش في أجواء كهذه، وثمة مسارات قانونية يمكن اللجوء إليها. وللأسف هذا واقعٌ، ووجهٌ آخر سلبي لعملية الانتخابات، يجب أن نتقبله ونتعايش معه، طالما ارتضينا العملية الانتخابية، وهي دعوة لكل أعضاء مجالس إدارات الأندية أن يتحلّوا بهذه النفسية.

بالتأكيد، ثمة إخفاقات لاقتها بعض تلكم الأندية الأدبية، وهناك ثغرات كبيرة شابت سير الانتخابات، لكنها في الجملة تهون – على عظمها - أمام ما شعرنا به من حلاوة المعارضة والنقد، وحرية إبداء الرأي معارضة أو اتفاقاً. ما أجمل ذلك الشعور بأنّ لصوتك قيمة، سواء كنت في صفّ المعارضين أو المؤيدين، بدلا أن تكون واجهة أو (أراجوزاً) أو ديكوراً جامداً بما كان في السابق. يا له من شعور عندما يحسب لك الرئيس وأعضاء مجلس الإدارة حسابك، لأنك تستطيع بصوتك - إن تضافر مع غيرك - إسقاط المجلس والإتيان بمجلس جديد.. وداعاً للاستبداد في الرأي والديكتاتورية الفردية بالقرار.

كم أتمنى أن تتسع مسارات الانتخابات، لتصل في المرحلة المقبلة لمجلس الشورى، وغيرها من المجالس التي تحتاج مثل هذه الآلية التي ترغم العضو المنتخب أن يبذل كل جهده لخدمة المواطن الذي أوصله لهذا المنصب، وإلا فسيفقد مقعده إن تهاون أو تخاذل.

يبقى أن تأريخنا الثقافي سطّر للأب معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة هذه الخطوة، وسامح الله أولئك الذين عطلوه بحجج شاحبة، دون أن ننسى ذلك المفكر الكبير الذي وقف موقفاً مشرفاً، يليق بمثقف حقيقي احتجاجاً على حجب هذه الآلية، وقاطع الأندية الأدبية سابقا، وسطّر هو الآخر اسمه بأحرف من نور، فالعظماء عبر ترجمة قيمهم إلى مواقف يثبتون أسماءهم في سجل التاريخ، فشكراً عبدالله الغذامي، فلك في أعناقنا دينٌ كمثقفين، ونحن ننعم بهذه الآلية الانتخابية وأجوائها.

ما زلنا سنة أولى انتخابات، وأمامنا الكثير من الوقت لننخرط بكليتنا فيه، ونظفر بحلاوة ممارستها كاملة.