خلال زيارتي للطائف لدراسة مواردها السياحية، كنت حريصاً على زيارة «مسجد عداس» الذي يعرف بأنه المكان الذي استراح فيه النبي، صلى الله عليه وسلم، عند عودته من الطائف، وقدم له عداس عنقود عنب.

لم يكن المكان مهيئاً للزيارة ولم تكن به أي تجارب سياحية تتناسب مع قيمة المكان.

قصة مسجد عداس هذا ترتبط بذكرى عاطفية لدى المسلمين إذ لجأ له النبي، صلى الله عليه وسلم، للاستراحة بعد أن تعب ودميت قدماه، والتقى عداس النينوي الذي كان يعمل في بستان لعتبة بن ربيعة، فبني لاحقاً مسجد في المكان الذي صلى فيه النبي، صلى الله عليه وسلم، وسُمّي مسجد عداس. ورغم قيمة المكان وارتباطه بسيرة المصطفى، صلى الله عليه وسلم، فإنه لم تتم الاستفادة منه كموقع سياحي، من المتوقع أن يجذب آلاف الزوار سنوياً.


يستفيد موقع مسجد عداس من كونه في محافظة الطائف ذات الأجواء اللطيفة فهو ملائم للزيارة مدداً أطول من غيره من الموقع السياحية التاريخية في المنطقة، كذلك قربه من مكة المكرمة التي يزورها الملايين من الحجاج والمعتمرين سنوياً، فلماذا لا نعمل على تطوير هذا المكان كموقع سياحي؟

يمكن تطوير عدة تجارب سياحية في موقع مسجد عداس، حيث إن ارتباط المكان بسيرة النبي، صلى الله عليه وسلم، ووجود بساتين العنب في محيطه يتيح فرصة لانخراط زواره في نشاطات سياحية تاريخية ثقافية وزراعية فريدة. مثلاً، عند وصول الزوار للموقع، يمكن أن يستقبلهم مرشد سياحي متخصص في الموقع يشرح لهم قصته وتاريخه، وكيف دخل النبي، صلى الله عليه وسلم، فيه، وكيف جلس وكيف كانت محادثته مع عداس النينوي، (وقد يتم ذلك على شكل عرض مسرحي) ثم تقدم لهم عناقيد العنب، ثم يصلون في مسجد عداس ويتعرفون على تفاصيله وتنظم لهم جولة في بساتين العنب المحيطة. مثل هذه التجربة السياحية المنظمة سترسخ في ذاكرة الزائر وتدفع آخرين للزيارة، وتخلق نشاطاً سياحياً في المنطقة تنشط من خلاله عدد من الأعمال التجارية المرتبطة بالسياحة، كمحلات بيع التذكارات السياحية، والمطاعم والمقاهي، والنُزل الريفية، ونشاطات السياحة الزراعية، إضافة إلى الإرشاد السياحي.

تفعيل مسجد عداس كموقع سياحي سيسهم في خلق عدد من الوظائف المباشرة وغير المباشرة للرجال والنساء كما سيسهم في تنشيط الحركة التجارية في محيطه، ويضيف تجربة سياحية فريدة لزوار المنطقة، ويكون منطلقاً لتفعيل السياحة الدينية التاريخية في محيط الحرمين الشريفين، بخاصة تلك المرتبطة بسيرة النبي، صلى الله عليه وسلم، وسير أصحابه.