هل أخبركم أحد قبل اليوم بأن مادة "أحادي أكسيد ثنائي الهيدروجين" خطرة؟ هل تم تنبيهكم لما قد تتسبب به هذه المادة لأجسادنا وبيئتنا إن لم ننتبه ونعمل على الحد من انتشارها واستخدامها من قبل الشركات المنتجة للمواد المصنعة داخل وخارج البلاد؟. لا أريد أن أثير قلقكم ولكن الأمر يستحق أن نتوقف عنده خاصة إن ذكرت لكم ما توصل إليه العلماء من مخاطر قد لا تؤدي إلى تغيير الطبيعية والتسبب بالكوارث بل أيضًا إلى موت كثير من الناس!.

هل شددت انتباهكم؟ هذا وأنا لست بعالمة أو مختصة بأي مجال يعود إلى العلوم الطبيعية! ولكننا يوميا نقصف بما يشابه ذلك ومن أشباه العلماء وماذا نفعل؟ ينتابنا الذعر ونبدأ بإعادة النشر والتوزيع!. إن علم نشر الخوف ظاهرة مقلقة أخذت تتزايد في السنوات الأخيرة، فمع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي ونشرات الأخبار على مدار الأربع والعشرين ساعة، أصبح نشر الذعر والتهديدات المبالغ فيها أسهل من أي وقت مضى، وهذا بدوره أدى إلى خلق ثقافة الخوف والقلق التي يمكن أن تضر بصحتنا العقلية والجسدية.

في أمريكا وفي عام 2012 تقدم أحد طلاب المرحلة المتوسطة بمشروع بعنوان "ما مدى سذاجتنا؟" وفاز بالجائزة الأولى في معرض مدينة شلالات أيداهو للعلوم، لقد قام بتجربة حاول من خلالها إظهار كيف أصبحنا تحت رحمة من يقوم بممارسة نشر العلوم الكاذبة، وبالتالي خلق حالات الخوف والرعب من كل شيء في حياتنا اليومية، ومن ضمن مشروعه قام بحثّ الناس على توقيع عريضة تطالب بمراقبة صارمة أو القضاء التام على مادة "أحادي أكسيد ثنائي الهيدروجين" الكيميائية، وذكر عدة أسباب أدرجها في العريضة على النحو التالي:


1. يمكن أن تتسبب في التعرق والقيء المفرط.

2. مكون رئيسي في الأمطار الحمضية.

3. يمكن أن تتسبب في حروق شديدة في حالتها الغازية.

4. الاستنشاق العرضي للمادة يمكن أن يقتل.

5. تساهم في التعرية النباتية.

6. تقلل من فعالية مكابح السيارات.

7. وجدت في أورام مرضى السرطان في مراحله النهائية.

وبعد أن قرأ المشاركون العريضة، سأل خمسون منهم عما إذا كانوا يؤيدون حظر هذه المادة الكيميائية، وكانت النتيجة بأن أربعة وثلاثين شخصًا أجابوا بنعم، وستة لم يقرروا، وشخص واحد فقط رفض التوقيع لأنه ببساطة كان يعلم ماهية هذه المادة، وأنها ليست سوى ماء!

لمن لم تمر عليه المعلومة من قبل فإن "جزيء الماء صيغته الكيميائية هي H2O وهي تعني أن كل جزيء ماء يتكون من ذرتي هيدروجين وذرة أكسجين. وبالتالي فإن مصطلح «أحادي أكسيد ثنائي الهيدروجين» يعني «اثنين من الهيدروجين، وأكسجين واحد»، بمعنى أنَّ التجربة استخدمت اسمًا مشتقًا من الصيغة الكيميائية وإن كان هذا الاسم غير متداول بين العامة من الناس، لكن المقلق هنا هو أن مسمى المادة الكيميائي لا يبدو ضارًا عندما تسمعه أو يمر عليك داخل نص ما، ولكن عند تقديم هذه المادة بطريقة معينة، يمكن أن يثير ذلك استجابة عاطفية قوية من قبل الناس، وهذا ما جرى عندما قدم الطالب قائمة بالتأثيرات السلبية المرتبطة بها، حيث تمكن من إقناع عدد كبير من الأشخاص بالتوقيع على عريضة لحظره، وما لم يدركه غالبية المشاركين في التجربة هو أن المسمى هو في الواقع مجرد اسم آخر للماء!.

ما لا يلام عليه المرء هو جهله بأي موضوع، ولكن يلام على انجرافه خلف التيار من دون أن يتأكد بنفسه ويعطي لنفسه الفرصة للبحث والتقصي قبل الموافقة أو الرفض!. من السهل جدًا نشر الخوف والقلق بأي موضوع؛ دواء، غذاء، هواء أو حتى فكر أو حدث عندما يتم تقديمه بطريقة معينة، وهذا أمر مقلق للغاية؛ بشكل خاص في عصر وسائل التواصل الاجتماعي وإدمانها من قبل الغالبية من الناس، حيث يمكن أن تنتشر المعلومات الخاطئة كالنار في الهشيم، وما تم التوصل إليه من تجربة الطالب ليس تسليط الضوء على مخاطر نشر المعلومات الخاطئة فحسب بل وأيضًا المبالغة في المخاطر.

المشكلة تكمن في أن الأساليب التحذيرية يمكن أن تجعل الناس يفقدون رؤية المخاطر الحقيقية التي يجب الانتباه لها والحذر منها، ويصبحون غير حساسين تجاهها! فإذا تم قصفنا باستمرار بقصص مرعبة ومخاطر مبالغ فيها، فقد ينتج عن ذلك رد فعل عكسي وتبدأ اللامبالاة بكل الأمور؛ هذا يعني أنه عندما يكون هناك تهديد حقيقي، فقد لا يأخذ الناس الأمر على محمل الجد كما ينبغي له من الانتباه والتحرك لاتخاذ ما يلزم من الاحتياط والحذر!.

تتمثل إحدى طرق مكافحة علم نشر الخوف في أن نكون أكثر تمييزًا بشأن المعلومات التي نستهلكها؛ يجب أن نكون حذرين من عناوين الأخبار المثيرة والقصص المصممة لإثارة استجابة عاطفية، وبدلاً من ذلك، يجب أن نبحث عن مصادر موثوقة للمعلومات وأن نُعلّم أنفسنا بالمخاطر والتحديات الحقيقية في بيئاتنا، فنحن بحاجة إلى أن نكون أكثر تشككًا في المعلومات المقدمة إلينا وأن نسأل أنفسنا دائما عند مصادفة مثل تلك المعلومات التي تأتي بثوب من الترهيب والتحذير؛ أسئلة تعتمد على تفعيل التفكير الناقد لدينا، بأن نسأل مثلا: هل هذه المعلومات موثوقة؟ هل هي مبنية على أدلة علمية؟ هل يتم تقديمها بطريقة متوازنة وغير متحيزة؟ وإن كانت هنالك مفردات أو كلمات غير معروفة لدينا هل نقوم بالمجهود الإضافي ونبحث عن التعريفات في المواقع العلمية؟ المهم هنا أن هذه هي أنواع الأسئلة التي نحتاج إلى طرحها على أنفسنا إذا كنا فعلًا نريد تجنب خداع مروجي الخوف.