ليس من المفروض كي نصبح مجتمعًا متحضرًا ومعاصرًا أن نتخلى عن قيمنا ومبادئنا وإرثنا الأصيل، ولسنا مجبرين على إهمال كل أفكارنا ومعتقداتنا وذكرياتنا، وتظل ذكريات الطفولة والشباب هي تلك الفترة التي نشعر بالحنين إليها؛ لأنها مرحلة البساطة والتلقائية وعدم التكلف، وكثير منا في تلك الفترة لم يكن مجبرًا على مشية الطاووس، ومن المرحلة الابتدائية إلى مرحلة الثانوية، وربما ما بعدها كان التعليم باللغة العربية، كذلك فإن الكتاب المقدس لجميع المسلمين بالأرض هو باللغة العربية الفصحى.

ولا عجب أن كل الشعوب تقدس لغاتها وتتحدث بها وتستخدمها في جميع شئون الحياة، ولا تجد مبررًا لاستخدام أي لغة بديلة إلا للضرورات القصوى، إن المجتمعات الألمانية والفرنسية والصينية واليابانية والإسبانية تستخدم لغتها الأم في كل شئون الحياة حتى في تعليمهم المتقدم، ويرفضون استبدال تلك اللغات تحت أي مبرر أو إعذار، ولا يجدون أنفسهم مجبرين على استخدام لغة بديلة بحجة انها اللغة العلمية أو لغة البحث العلمي، عندما تكون في اجتماع أو لقاء عمل وجميع الحاضرين هم من الجنسية العربية، ولكنهم يتحدثون بلغة بديلة، واللغة البديلة والتي قد يكون المتحدث يجيدها بطلاقة إلا أنها ستفشل في إيصال الرسالة للمستمعين، والذين لازالوا يستخدمون تلك اللغة كلغة بديلة من أجل الضرورات فقط.

ولهذا فإن معظم اللقاءات والبروتوكولات والمنشورات والإعلانات التي تكتب بلغة أخرى تصطدم بحاجز الفهم المطلق ومن ثم يؤدي ذلك إلى قصور كبير في التطبيق المطلق لتلك البروتوكولات والإرشادات، كما أن علينا أن نتذكر دائمًا أنه من الصعب أن تتقن لغة أخرى بالتخلي عن لغتك الأم، وهنا علينا أن نتذكر أن الأدباء الكبار مثل جبران خليل جبران وتوفيق الحكيم عندما بدأ الكتابة كانا يكتبان بالعربية، والتي أجاداها وكانت تسيطر على كل أفكارهما وخيالاتهما وفلسفتهما؛ ولهذا عندما بدأ يكتبان بلغات أخرى كانت تلك اللغة الأم تسيطر على مضمون الرسائل التي يريدان نشرها والحديث عنها.


كما كان لذلك المخزون اللغوي الكبير الأثر الأكبر في نشره بلغات أخرى إلى شعوب لا تجيد اللغة العربية، أن جميع الشعوب المتقدمة تسن القوانين والأنظمة لتحمي لغتها وتقويها أمام كل موجات طمس الهوية والتخلي عن الموروث اللغوي، إن اللغة ليست مجرد حديث نتبادله بل هي فكر وتاريخ وإرث وعلينا أن نتمسك بلغتنا وأن نتحدثها في جميع شئوننا اليومية وألا نستخدم اللغات البديلة إلا للضرورة القصوى.

إن علينا أن نؤمن أن القدرة في أن نكون معاصرين ومتحضرين لا تعني أن نتخلى عن لغتنا وثقافتنا، وأن نتخلى عن هويتنا للبحث عن هوية أخرى، كثير منا يشعر بالتعجب عندما يزور مواقع إلكترونية لمؤسسات وشركات عربية، وقد امتلأت صفحاتها بلغات أخرى اعتقادًا منها أن تلك اللغات ستجعل من تلك المؤسسات ذات قيمة، وتمتلأ شوارعنا بأسماء المحلات التي لا تمت إلى العربية بصلة اعتقادًا أنها وسيلة للربح السريع والأغرب من ذلك أن يرتدي البعض منا ملابس وقد طرزت بكلمات لا يعرف صاحبها ما تعنيه تلك الكلمات.