تباينت الملامح أمس في عدد من دول "الربيع العربي". ففيما أعلن تحرير ليبيا رسمياً من حكم القذافي، دخلت جارتها تونس أول تجربة ديموقراطية حقيقية. وفي المقابل واصل نظام دمشق حملاته الأمنية ضد المدنيين، بينما لم يكن الوضع في اليمن أقل تصعيداً حيث ترأس الرئيس اليمني اجتماعا ضم كبار قياداته العسكرية والأمنية.
وشهدت بنغازي أمس يوما تاريخيا سيظل محفورا في ذاكرة الليبيين، حيث احتشد عشرات الآلاف لحضور لحظة مفصلية في تاريخهم الحديث مهروها بأرواحهم ودمائهم. وقال نائب رئيس المجلس الانتقالي عبد الحفيظ غوقة: "إعلان التحرير. ارفعوا رؤوسكم عاليا، إنكم أحرار أيها الليبيون".
أما في تونس فتشكلت طوابير طويلة منذ وقت مبكر صباح أمس أمام المراكز الانتخابية، التي يخرج منها الناخب وقد لونت سبابته اليسرى بحبر لا يمحى فرحا وفخورا بالمشاركة في انتخابات تاريخية بلغت نسبة المشاركة فيها 70 ?.
وفي سورية، واصل المحتجون المتطلعون للتغيير تظاهراتهم ضد نظام الرئيس بشار الأسد. وحذر الاتحاد الأوروبي دمشق من عقوبات جديدة إذا لم يكف نظامها عن قمع التظاهرات. ومن جهته قال عضو مجلس الشيوخ الأميركي جون ماكين "يبدو أن الثورة السورية دخلت الآن مرحلة جديدة.. هناك المزيد من الانشقاقات في صفوف الجيش وأكثر من ذلك يبدو أن السوريين قد حملوا السلاح ضد النظام".
أما في اليمن، فتواصلت التظاهرات المناهضة للرئيس علي صالح الذي ترأس اجتماعا أمنيا بحث تطورات الأوضاع ومستجداتها وتصاعد وتيرة المواجهات بين السلطة والمعارضة.
وجددت أحزاب المعارضة الرئيسة اتهاماتها للرئيس صالح بالسعي إلى إشعال حرب أهلية من خلال افتعال التصعيد العسكري في صنعاء والمدن الأخرى للتهرب من استحقاقات الالتزام بنقل السلطة والتوقيع على المبادرة الخليجية. وكان وفد من المعارضة قد التقى في دبي الأمين العام لدول مجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني الذي جدد موقف دول المجلس من قضية نقل السلطة وفق المبادرة.
أعلنت ليبيا تحرير البلاد أمس الأحد بعد أن انتهى حكم الفرد الذي خضعت له 42 عاما على يدي معمر القذافي بالقبض عليه ومقتله الأسبوع الماضي لتبدأ بذلك المرحلة الانتقالية التي ستفضي إلى حكم ديموقراطي. وقال مسؤول افتتح المراسم في بنغازي أمس "نعلن للعالم أجمع أننا حررنا بلادنا الحبيبة بمدنها وقراها وسهولها وجبالها وصحرائها وسمائها". وأعلن رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبدالجليل "تحرير" ليبيا رسميا أمس. وتجمع الآلاف في الساحة المركزية في بنغازي، ثاني مدن البلاد، التي منها انطلقت في منتصف فبراير الماضي الثورة على نظام القذافي. ويأتي إعلان "تحرير" ليبيا بالكامل بعد ثلاثة أيام على سقوط سرت آخر معقل للقوات الموالية لمعمر القذافي الذي قتل الخميس. ويمثل هذا الإعلان لنهاية ثورة استمرت ثمانية أشهر، نقطة انطلاق لعملية سياسية يفترض أن تفضي إلى انتخابات عامة خلال 20 شهرا.
وشارك في هذا الاحتفال الرسمي والشعبي الكبير إضافة إلى رئيس المجلس الوطني الانتقالي، أعضاء المجلس، بالإضافة إلى أعضاء المكتب رؤساء المجالس المحلية في كافة مدن ومناطق ليبيا المحررة، وعدد من قادة وحدات الجيش الوطني وسرايا الثوار. وتضمن الاحتفال تسليم قطعة سلاح إيذانا بتسليم كافة الأسلحة من سرايا الثوار للجيش الوطني. وفي المقابل قال المسؤول الثاني في المجلس الوطني الانتقالي الليبي محمود جبريل أمس في الأردن إن هناك مشاورات جارية حاليا من أجل تشكيل حكومة موقتة في ليبيا، مؤكدا أن العملية ستستغرق "من أسبوع إلى شهر واحد". وأضاف في مؤتمر صحفي على هامش مشاركته في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي المنعقد حاليا في الشونة على شاطئ البحر الميت "بعدها سوف يكون هناك عمل حقيقي صعب في محاولة لتقريب موعد إجراء الانتخابات لانتخاب المؤتمر الوطني الذي سيكون البرلمان الجديد بدلا من المجلس الوطني الانتقالي الذي سوف يتم حله".
إلى ذلك أعلن المتحدث باسم المجلس العسكري في مصراتة فتحي البشاغة أن جثة الزعيم الليبي السابق شرحت أمس. وقال "أجري التشريح صباحا. لم نكن ننوي تشريح الجثة لكن طرابلس طلبت منا ذلك ونريد أن تجري الأمور بشكل صحيح". وقال عبدالسلام بعيو القاضي المكلف الإشراف على عملية التشريح "انتهى التشريح ولم يكتب بعد تقرير التشريح بالتالي لم أبلغ بأسباب وفاة القذافي". وكانت السلطات الليبية الجديدة التي قالت سابقا إن القذافي سيدفن على الأرجح في مكان سري تفاديا لزيارة أنصاره للقبر، أعلنت أمس أنها ستسلم جثته إلى أقاربه. كما جرى تشريح جثة المعتصم القذافي.
وفي سياق متصل أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون دعمها الكامل لقرار الحكومة الليبية الجديدة فتح تحقيق في مقتل القذافي. وقالت "أنا سعيدة جدا لأن المجلس الوطني الانتقالي دعا لتحقيق مستقل إلى جانب الأمم المتحدة". وتابعت "أدعم بالكامل هذا الأمر لأنني أعتقد أن ليبيا الجديدة تحتاج لأن تبدأ صفحتها بالمحاسبة وسيادة القانون وحس من الوحدة والمصالحة ليتسنى إرساء ديموقراطية تشمل الجميع".