ترتبط معاناة ليبيا الحالية ارتباطًا وثيقًا بالماضي الذي يتضمن إرث نظام القذافي، وانتهاكات حقوق الإنسان عبر أربعة عقود، علاوة على الانتهاكات والفظائع التي جرى ارتكابها منذ الانتفاضة.

حيث مرت وتحديدًا الشهر الماضي، الذكرى الحادية عشرة لإسقاط نظام القذافي بانتصار الانتفاضة الشعبية التي انطلقت في السابع عشر من فبراير2011.

وهذا يعني أن ليبيا بحاجة إلى التعامل مع هذا الإرث، وما تلاه من مُمارسات، ومواجهتها لتجنب الانحدار أكثر نحو مزيدٍ من الفوضى والصراع الذي يتأجج نتيجة الاختراق الأجنبي المتواصل وانتشار الأسلحة. فشل الاتفاق


وقد تعزز انتصار الانتفاضة بتدخلٍ خارجي لعب الدورَ الحاسم في القضاء على المقدرات العسكرية والأمنية، ليفتحَ البابَ على مصراعَيْه أمام ليبيا والليبيين ليَلِجوا زمنًا جديدًا. ولكن واجهت ليبيا العديد من العوامل التي ساهمت في فشل التسويات وتقدمها؛ تشمل الضعف المتأصل في الثقافة المدنية والديمقراطية، فضلًا عن التأثير المتزايد للأطراف على حساب المركز مع تسييس الإدارة العامة، والإقصاء، وانعدام الثقة.

دوافع الصراع

كما أصبح الاختلال الوظيفي والجمود الإداري، هو السمة السائدة اليوم في ليبيا، ومع الافتقار الشديد إلى السيطرة على الإنفاق العام، مما أدى إلى مزيد من الفساد وتبديد الأموال العامة بدرجة غير مسبوقة.

وقد تم اختطاف المؤسسات العامة والاستيلاء عليها لخدمة المصالح الحزبية أو القبلية والجهوية، وهو ما خلق مزيدًا من الدوافع للصراع.

وكل ذلك يتبع الفشل في التوصل إلى اتفاق حول رؤية مشتركة وأدى إلى إضعاف بقايا مؤسساتها والبيروقراطية المصابة بعدم الفعالية، مع ما تعانيه من تضخم عدد الموظفين الذين يتقاضون مرتبات من الدولة بشكل يفوق كل التقديرات للعلاقة بين حجم السكان وعدد موظفي الدولة المعنيين بتقديم الخدمات.

خدمة الأطراف

وتم تصميم وإنشاء العديد من المؤسسات الحكومية والعامة الجديدة، في ليبيا لتقوم بخدمة مصالح أطراف أو قوى فاعلة أو لتلبية مصالح بعض الفصائل. وبدلًا من بناء الدولة، والإعداد الجيد للمؤسسات الجديدة، والإصلاح المؤسسي، باتت المؤسسات أدوات للصراع، فأسهم ذلك في تعميق الانقسام، وبالتالي ترسيخ الصراع عوضًا عن إنهائه، لتستمر البلاد في المعاناة من الاضْطرابات الاجتماعية والانقسام السياسي، والركود الاقتصادي، وتدفق المهاجرين، والجريمة على أنواعها، كما تعيش نُذُرَ حربٍ وتهديدٍ لوحدتها الوطنية.

آفاق المستقبل

وتواجه ليبيا اليوم مستقبلًا غامضًا، ومستنقعًا سياسيا، ومصاعب اقتصادية شديدة، مع مخاطر تجدد التصعيد العسكري، بسبب الجمود السياسي بعد انتهاء أجل خارطة الطريق الناجمة عن منتدى الحوار السياسي الليبي، وفشل العملية الانتخابية التي كانت مقررة في 24 ديسمبر 2022، ولا تزال القضايا الأكثر أهمية تنتظر العمل على المسارات السياسية والاقتصادية والعسكرية، بما في ذلك حل القضايا المعقدة مثل مستقبل الميليشيات والأمن والقضايا الشائكة للعملية الانتخابية والدستور الدائم.

وعجزَ ما تم من اتفاقيات عبر الأُمم المتحدة عن الاستجابة للتحديات، ما يُبرز الحاجة الملحة إلى اتفاق سلام شامل مملوك لليبيين من دون سواهم.

وبينما يزداد التدخل الخارجي كثافةً وتتعدد أطرافه، تؤثر الأزمة سلبًا في التماسك الداخلي لجميع الأطراف.



تحقيق أي تسوية في ليبيا يعتمد على:

وعي الأطراف الليبية بضرورة المُصالحة والسلام

وحتميته قدرة تلك الأطراف على حشْدِ المكونات الاجتماعية والسياسية لتحقيق هذا الهدف

إطلاق عملية شاملة لبناء الدولة

التأكد من عدم وقوع المزيد من الانقسامات التي تضر بالنسيج الاجتماعي.