غني عن القول أن هذه المفردات الهدية للسيدة عائشة، رضي الله عنها، وهذا الدعاء الشريف الجليل، ليس خاصًا بزمن معين، فهو وإن كان أرجى أوقات كثرة الذكر به الليالي القدرية، إلا أن استعماله متاح في كل وقت وحين، خصوصًا إذا كان ذلك مع استحضار المعاني الجليلة لمفردة «العفو»، وهي كثيرة؛ فهذا الدعاء من جوامع الكلم المشهورة، وفيه إثبات صفة المحبة، وصفة العفو لله، بما يليق به جل جلاله.. «اللهم إنك عفو»، أي المتجاوز بفضله عن السيئات، و«تحب العفو»، أي تحب ظهور هذه الصفة، و«فاعف عني»، أي اصفح عني، وتجاوز عن زللي؛ لأني يا سيدي، ويا مولاي كثير التقصير، وأنت صاحب العفو، وأولى به، في الدنيا والآخرة.
فرق دقيق جدًا بين «العفو» و«الغفران»، فالغفران يقتضي إسقاط العقاب، أما العفو فإنه يقتضي إسقاط اللوم، والغفران لا يكون معه عقوبة، أما العفو فقد يكون قبلها أو بعدها، وفرق دقيق كذلك بين «الصفح» و«العفو»؛ فالأولى أبلغ، لأن الإنسان قد يعفو ولا يصفح، ومع هذه الفروقات التخصصية، إلا أني أجد في الدعاء العظيم دعوة للعفو «الإنساني الإنساني»، والتخلق بخلق «العفو الرباني»، وهي دعوة مبثوثة وسط تعاليم شرع ربنا، ووسط توجيهات رسوله، صلى الله عليه وسلم إلينا؛ ومنها قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، وقوله تعالى: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}، وقوله سبحانه: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِين}، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، وقوله صلى الله عليه وسلم: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «ارحموا ترحموا، واغفروا يُغفر لكم».. فاللهم اعف عنا، وعلمنا العفو.