(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة).

(يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).

وأنا أقرأ في كتاب الله تعالى استوقفتني كثيرًا الآيات التي وضع فيها الله أسس التعامل بين الرجل والمرأة في المجتمعات الإنسانية القائمة على جنسين لا ثالث لهما «رجال ونساء» فقط.. وأنها علاقة تقوم على الرحمة والاحترام والتقدير والتكامل والاستمرارية، والتي ستؤول مجتمعاتنا الإنسانية إلى الانقراض إن لم نحافظ عليها، وسيكون البشر نسيًا منسيًا إن نحن لم نعزز في أذهان الرجال والنساء أهمية كل منهما للآخر، وأنه لا غنى لهما عن بعضهما، وأن استغناء جنس عن جنس ما هو إلا هراءات فكرية إن لم تعالج برغبة صادقة وصارمة في المحافظة على توازنات الطبيعة الأرضية ومكون بقائها الرئيس كمجتمعات بشرية فنحن لا محالة إلى فناء وزوال..!


هذا هو الطبيعي والمألوف وتفكير العقل المتزن الذي يدرك الخطر الجسيم من انتشار فكرة الانجذاب لمثلية الجنس، أو الاستغناء الكلي عن الفطرة السليمة في تنظيم العلاقة الطبيعية بين الرجال والنساء بالفردية والاستغناء بالذات والنفس عن الشريك..!

نحن نعرف أن الفكر المتطرف تجاه الطبيعة الأرضية والفطرة البشرية، والفكر الشاذ والمريض والقائم على العقد والأمراض النفسية، والاضطرابات العقائدية والأخلاقية والسلوكية انتشر بشكل كبير ومخيف في المجتمعات الغربية وأصبح مقبولًا في كثير منها لأنه وجد دعمًا من حكوماتها رغم رفض المجتمع لها، إلا أنه انتشر انتشار النار بالهشيم لأنه فرض بقوة مدعومة بقوانين تشجع على العبث الفوضوي والمجنون بعمليات تحويل الجنس.. والشذوذ الجنسي.. ودعم وتشريع زواج مثلي الجنس، وإقرار نظامية تبنيهم لأطفال، وتشجيع الأطفال على رفض واقعهم وإعطائهم الحق بتغيير الجنس أو إعطاء البالغين حق التمتع الجسدي بالأطفال إن كان ذلك برضا من الطفل دون مراعاة لمنظومة الحقوق والإنسانية التي بدا واضحًا أنها تميل لكفة الهوى لا الحقوق كحقوق، وأنها تستخدم كوسيلة ضغط على مجتمعات أخرى لأي سبب قد يخطر على البال.. إلا أن تكون حقوقًا حقيقية..! وغير ذلك من شذوذ فكري يستند على جدار قوي من قوانين تجرم من يخالف هذا الهوس والتخلف، وقد يجعله خلف القضبان لسنوات.

كل هذا وأكثر نسمع عنه ونشاهده كل يوم بمئات المقاطع التي تشمئز منها النفوس السوية وتكرهها.. ولكنها في مجتمعات أزالت تمامًا سقف الحريات الجنسية لتطير فوق حواجز المعقول، في الوقت الذي بنت فيه أسقفًا كثيرة تحت سقف حرية معارضتها حتى كتمت تلك الأسقف القانونية على أنفاس الفطرة والعقل حد الاختناق فيها..

إلى هنا والأمر نوعًا ما لا يعنينا.. ولكن أن ينتقل هذا الفكر الشاذ إلى مجتمعاتنا السوية ذات الأساس العقائدي المتين، والمنظومة الأخلاقية والقيم العالية، والفطرة السليمة «حتى وإن كانت لنا تجاوزاتنا وأخطاؤنا وكثير من مشاكلنا الأخلاقية والسلوكية والمجتمعية التي تبعدنا عن لوحة الكمال التي لن يصلها بشر ولا مجتمع» فهذا شيء، وأن يكون لنا وقفة ضد هذا الانفلات هذا شيء.. لأن الأمر ما زال تحت السيطرة التي يمكن أن تعالج بما لا يشكل خطرًا على مجتمعاتنا. فنحن كمجتمعات شرقية على اختلاف مواقعها الجغرافية وثقافاتها وأديانها ما زلنا نرفض ذلك بشدة، ونحن كسعوديين بشكل أكثر تحديدًا نعيش في دولة من فضل الله ترفض هذه التمردات على الفطرة وتقف لها بالمرصاد، نحن ندرك حجم حرمانيتها وخطرها على مجتمعنا لذلك فلدينا قوانين تقابل سقف الحريات المهدوم بسقف حريات مقنن يمنح الحرية بما لا يشكل خطرًا وضررًا.

ولكن يبدو أن البعض يحاول أن يقفز فوق الحواجز من خلال منصات التواصل ببث سموم فكر شاذ وعقيم.. يزرع في الأذهان نظرية الحرب بين الرجال والنساء ويعززها، ويشجع على مخالفة الفطرة بالاستغناء مما يوجه الفكر بطريقة غير مباشرة إلى جهة الشذوذ المنبوذ والذي يساهم بشكل فعال في هدم المجتمعات وفنائها.

علينا أن نفهم أنه في كل الشرائع والأديان.. وفي كل الثقافات.. لا حياة للرجال دون نساء ولا حياة للنساء دون رجال مهما كانت هنا صدمات.. أو مشاكل.. أو خذلان واختلافات إلا أن هذه مشاكل حلها أبسط بكثير من مشكلة تعزيز الحرب بين الطرفين أو الدعوة إلى استغناء كل جنس عن الآخر.. علينا كأسر وكمؤثرين وكإعلام وكمؤسسات تعليمية وكمتخصصين ونشطاء في المجال الاجتماعي أن ندعم جهود الدولة بالوقوف في وجه انسكاب عفن هذا الفكر المستورد.. من أجل وطن قوي برجاله ونسائه.. ومجتمع سليم صالح لنا ولأجيال كثيرة بعدنا.