وإذا كانت أركان الإسلام جميعها هي «تكاليف فردية وواجبات عينية». فرضها الله سبحانه وتعالى على الفرد المكلف فإنها ـ وتلك ميزتها في الوسطية الاسلامية الجامعة -قد جمعت جميعًا إلى جانب التكليف الفردي والأداء الفردي الصورة الجماعية في الإقامة والأداء.. فصلاة الجماعة تفضل الصلاة المنفردة بأضعاف الأضعاف.. والزكاة تكافل جماعي واجتماعی يصح به جسد الأمة وتترابط أرواحه بذلك الأداء الفردي لفريضة الزكاة... والحج موكب جماعي تتوحد فيه مشاعر الحجيج ومظاهرهم وهم يؤدون المناسك في حرم واحد وفي أيام معلومات.. والصوم - وهو العبادة الفردية الشديدة الخصوصية في فرديتها، يطبع المجتمعات الإسلامية بطابع عام وموحد يحول الأفراد الصائمين إلى كيان روحي واجتماعي واحد، طوال شهر رمضان وإذا كانت آيات القرآن الكريم قد شرعت فريضة الصوم في رمضان، ركنًا من الأركان الخمسة التي بني عليها الإسلام عندما قال الله في هذه الآيات (يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أيامًا معدودات فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين).
إذا كانت هذه هي آيات التشريع الفريضة صوم رمضان - الذي أنزل فيه القرآن «رحماء» ولدت منه الأمة - بعقيدتها وشريعتها وصبغة حضارتها... فإن هذه الفريضة الرمضانية قد تميزت وتتميز بخصوصية تفردت بها عن غيرها من فرائض الإسلام.. خصوصية جعلت هذه العبادة سرًا بين الصائم وبين الله الأمر الذي ابتعد بها عن أي لون من ألوان الرياء والمُراءاة، حتى لقد ضاهت الإيمان - كتصديق قلبي - لا يطلع على حقيقته إلا الله. ويقدر ما تكون العبادة ظاهرة يرى الناس أداءها، ويشهدون مقاديرها ويطلعون على درجات الحفاظ عليها بقدر ما يعرض لها وفيها شبهة الرياء والمُراءاة. الأمر الذي ينقص من درجات الإخلاص فيها الله، واستخلاصها كاملة له سبحانه وتعالى. وإذا كانت المُراءاة مقصدًا أو بعض القصد من أداء العبادة، نقص دورها وتدنت وضعفت طاقتها في التربية الروحية للإنسان. أما إذا كانت العبادة سرًّا بين العابد والمعبود، لا يطلع على حقيقتها ومرتبة الإقامة لها ودرجة الأداء فيها إلا الله سبحانه وتعالى، فإن فعلها يكون أكبر في التزكية للنفس، والتهذيب للروح والتنمية لملكات الإرادة عند الإنسان. ولهذه الحقيقة التي ميزت فريضة الصوم عن غيرها من العبادات.
1991*
** أكاديمي وباحث مصري «1931 - 2020».