( تقدم بطلب لمعهد الموسيقى العربية، ليدرس، فاختبرته لجنة من جهابذة الموسيقى العربية ، إلا أن أعضاءها أصيبوا بالذهول، حيث كانت قدراته أكبر من أن يكون طالباً، فأصدروا قرارا بتعيينه في المعهد أستاذا لآلة العود والأداء. ومن هنا بدأت شهرته واسمه في البروز في ندوات وحفلات المعهد كعازف بارع. ولم تستمر مدة عمله بالمعهد إلا ثلاث سنوات، قدم استقالته بعدها حيث كان قد اتخذ قراره بدخول عالم التلحين)،ذلكم هو الموسيقار رياض السنباطي.

مسرة صنعها للناس

مثلما شكل الموسيقار رياض السنباطي على مدى عقود منذ عشرينيات القرن الماضي ، ركنا رئيسا في مسيرة الموسيقى العربية في العصر الحيث ن بين ثلة أسماء يمكن بكل طمأنينة وصفهم بـ ( جيل العمالقة)، الجيل الذي ضم جانب السنباطي ( زكريا أحمد، ومحمد القصبجي ، ومحمد عبد الوهاب ، وأم كلثوم ، وأسمهان ، وفريد الأطرش) ثم غربت شمسه، ومضى في رحلة العمر، ولم يبق منه سوى ذكريات منجزه الشامخ، تتناقله الأجيال بكل مافيه من مسرة صنعها للناس ، شكل - السنباطي ـ محور الكتاب الذي حمل اسمه ( السنباطي وجيل العمالقة) لصميم الشريف.

احترام الأسلاف

تقدم السنباطي جيل العمالقة الذي أرسى دعائم الغناء العربي في القرن العشرين، بحسب الشريف الذي رأى أن أجيالا وأجيال ستعيش على الثروات الفنية التي خلفها، مشيرا إلى أنه كان يحترم أسلافه الكبار ، ويحترم العلم الذي جاؤوا به، والعطاء الذي بذلوا ، من أجل الارتفاع بالفن الموسيقي والغنائي ، مستشهدا بقوله: ( من يستطيع أن يفعل شيئاً بعد «سيد الكل» سيد درويش ؟! على يديه تخلصت الأغنية العربية من ابتذالها، وعلى يديه ارتفعت بشاعرية قلما سما إليها ملحن عدا « القصبجي ومحمد عبد الوهاب » .. وهنا يلفت الشريف إلى أن السنباطي ( من احترامه لأسلافه الكبار ، ومن غنى عطاءاتهم، تدفق إبداعه في كل ضروب الأغنية العربية، دون أن يخرج على قوالبها الفنية التي حملها كثيراً من الضغط لتفي بحاجات العصر، بدءاً من الأغنية الشعبية والطقطوقة ، ومروراً بالأغنية الدينية والمونولوج ، وانتهاء بالقصيدة التي يعتبر من من أميز من لحنها في تاريخ الموسيقى العربية).

الارتقاء بالأغنية

يلفت الكتاب القارئ إلى الكم الهائل والضخم من الأعمال التي ميزت منجز السنباطي طيلة مسيرته على مى أكثر من ستة عقود ، موضحا أنه ( من الصعب حصر أعماله في الأغنية العربية وتعدادها منذ أن مارس التلحين واحترفه في أواخر عشرينيات هذا القرن، والتي ـ كما قيل - تربو على ألف عمل غنائي وموسيقي) .


كما يسرد الكتاب جانبا من جوانب حياته وحياة أهل الطرب، ومنهم محمد القصبجي ويقول حول هذا ( ربما كان في لقاء القمتين – القصبجي والسنباطي في فترة زمنية واحدة ، وتعايشهما في نظرتهما المشتركة لمستقبل الأغنية العربية، من العوامل التي دفعت إلى ازدهار فن الغناء العربي على أيديهما، إن في الأغنية الخفيفة والسينمائية، أو في رومانسيات المونولوج والأغنية الطويلة، أو في القصيدة التي شمخ بها السنباطي بالذات شموخاً . جعلت الملحنين حتى الكبار منهم يهابون تلحينها خوفاً من عدم الارتقاء بها إلى سفح القمة السنباطية ). ويصفه الكتاب بأنه ( العملاق الذي دخل محراب العمالقة بقوة فنه وشخصيته) ، مشيرا إلى لعباقرة الآخرين الذين دخلوا محراب عزلته ، دون أن يتمكنوا من شرخها، منهم : أم كلثوم ، محمد القصبجي، زكريا أحمد، محمد عبد الوهاب، أحمد شوقي ، حافظ إبراهيم، أحمد رامي، أحمد فتحي ، مصطفى عبد الرحمن، فريد الأطرش، ومطربون ومطربات وشعراء أغنية، وزجالون ، وكلهم كان لهم نصيب عنده ، وكانت لهم حظوظ في ألحانه، وكانت له صداقات معهم، وكان لهم محن ومعارك دارت كلها في صمت من خلال الارتقاء بالأغنية نصاً وأداء ولحناً .

عرش الغناء

أولى ألحان السنباطي ظهرت قبل انتسابه لمعهد الموسيقا العربية في 1930 وهي لا تزيد كثيراً على أصابع اليد الواحدة، ولكنها لفتت الانتباه على قلتها إلى هذا الوافد الجديد لدنيا الطرب ، فغنى له عبد الغني السيد مونولوج " عذابي يا منايا » ، كذلك غنت له المطربة نجاة علي " الحنين ".

في 1931بادرت منيرة المهدية المتربعة آنذاك على عرش الغناء، إلى طلب السنباطي أن يلحن لها أوبريت، فلحن لها خلال بضعة أشهر أوبريت " عروس الشرق " ، فحققت نجاحاً منقطع النظير ولم يقف الأمر عند منيرة المهدية، إذ سارعت فتحية أحمد، ومن ثم نادرة الشامية، فطلبتا منه تلحين عدد من الأغنيات ، فلم يتوان عن ذلك .

كذلك طلب منه المسرحي الكبير ( جورج أبيض ) تلحين أوبريت " آدم وحواء » ، فيما كانت أم كلثوم ترقب ذلك الصراع بين نجمات الغناء في تلك الحقبة ، مذ وطئت قدماها القاهرة، وتهفو إلى القمة مستسلمة لشروط الفنان الكبير محمد القصبجي، وأسلمته قيادها منذ العام ١٩٢٥ .

صلته بالشعراء

يقترن اسم السنباطي دائماً وأبداً بالشعر ، فهو أبو القصيدة، وسيدها المطلق، علاقته بالشعر بدأت مذ كان طفلاً يحفظ القرآن الكريم، ويردد القصة الشريفة في الموالد والأفراح مع أبيه . وكان يحفظ في طفولته الكثير من القصائد الدينية والصوفية، وعندما غدا مطرب المنصورة، طراً على حفظه نوع من التطور ، فقد شارك أبيه في حلقات الذكر التي كان يعقدها أصحاب الطرق الصوفية، واكتشف في أثنائها روائع الشريف الرضي وابن الفارض والبوصيري، وأدرك الفارق بين ما كان يردده من شعر عادي، كان ينظمه أصحابه زلفى وتقرباً من الله ونبيه فحسب، وبين الشعر الصوفي الذي يحض بعمق على الاندماج بالذات الإلهية. ومن هذا الشعر بالذات - شعر الشعراء الصوفيين انطلق إلى آفاق الشعراء الذين كان يسمع بأسمائهم، فخص بحبه ابن المنصورة و علي محمود طه ، الذي كان ما يزال في أول شهرته وأحمد شوقي الذي تأثر به قبل نزوحه إلى القاهرة من خلال القصائد المتداولة في الصحافة اليومية، ومن ثم تتالت أمامه لتزداد، ولتتوثق علاقته بالشعراء العرب المصريين، ومن ثم بالشعراء العباسيين الذين أحبهم أكثر من الأمويين والجاهليين والمخضرمين .ولكي يعمق السنباطي تجربته الشعرية، ويغني تذوقه له ، كان عليه أن يحتك بالشعراء ، ليسمع منهم، ويرى رأيهم فيما يعرف ويحفظ ، وفيما ينظمون ويعطون ، فاتصل بالشعراء قبل أن يتصل بالزجالين، وارتبط بصداقات معهم، امتدت حتى آخر أيام حياته .

رياض محمد السنباطي ( 1906 - 1981)

*موسيقار وملحن مصري

*تميز بتلحين القصيدة العربية.

*كان والده مقرئا، تعود الغناء في الموالد والأفراح

*تفتحت أذناه على أبيه وهو يعزف على العود، ويغني الغناء الأصيل والتواشيح الدينية *سمعه ابوه يغني لسيد درويش فطرب لصوته، وقرر أن يصطحبه معه للغناء في الأفراح