أكتب هذه الزاوية وأنا أغادر جنوب أفريقيا بعد أن حضرت جانباً من بطولة كأس العالم بكرة القدم... المشاهدة من خلال التلفاز شيء وعلى أرض الواقع شيء آخر تماماً، ومعايشة الحدث من بعيد شيء ثالث، وأن تكون جزءاً من الحدث موضوع رابع.

سمعنا كثيراً عن هذه البطولة بالتحديد، واختلفت الآراء حول مدى نجاحها، وكنت قد كتبت سابقاً بناء على معطيات وصلتنا من هناك أن هذه البطولة هي الأسوأ فكانت ردة فعل بعض القراء على هذا الكلام أنه غير دقيق وأنه لا يمكن الحكم عليها من خلال عدد من المباريات، وها هي على وشك أن تنتهي الأحد المقبل، وما زلت عند رأيي.

صحيح أن ما شاهدته في جوهانسبرج يؤكد أن جنوب أفريقيا عملت جاهدة لتخرج البطولة بمستوى جيد، وخاصة في مجال بناء الملاعب الرياضية وتهيئة الكادر التنظيمي الذي أضفى عليها رونقاً جميلاً إلا أن المستوى العام لم يكن كذلك.. وإذا كنا نريد أن نضع عنواناً صريحاً لها نكتب: إن بطولة كأس العالم في جنوب أفريقيا 2010 شهدت سقوطاً مريعاً للكبار، وخلت من النجوم الذين كان الإعلام يتغنى بهم قبل شهر في الدوريات المختلفة، كما شهدت فضائح تحكيمية لا تحصل على مستوى الدوريات المحلية في أي بلد، وقد سألنا أحد أعضاء اللجنة المنظمة من الفيفا عن هذا الموضوع فأجاب أنه للأسف كان التحكيم مريعاً وأوعز ذلك إلى تسمية الحكام قبل أربع سنوات مما يجعلهم يقصرون في إعداد أنفسهم، لأنهم ضمنوا مشاركتهم في الوقت الذي يحرم فيه عدد من الحكام الصاعدين الذين لا يجدون الفرصة إلا بعد أربع سنوات أخرى.

ومن بين المسائل التي يمكن الوقوف عندها أن الفرق الكبيرة التي اعتمدت على الأسماء الطنانة الرنانة كحلول فردية لعقم الأداء الجماعي خسرت الرهان وخرجت غير مأسوف عليها، في حين ظهر واضحاً أن المنتخبات التي كانت من وجهة نظر البعض صغيرة وغير فعالة قدمت أداء رجولياً وكادت تقلب كل المعادلات وخرجت وهي مرفوعة الرأس كمنتخب غانا الذي كان يتوقع له الغالبية أن يمضي في مشواره إلى الأمام أكثر.

ومن بين المسائل التي لفتت نظرنا موقف بعض اللاعبين البرازيليين وفي مقدمتهم كاكا الذين رفضوا تبادل قمصانهم مع لاعبين من كوريا الشمالية في سابقة غريبة، وأيضاً موقف لاعب دفاع إسبانيا بويول عندما استنكر تبديل المدرب له ودخل غرفة الملابس مباشرة أمام أعين ملايين المشاهدين وكأنه يلعب في الدوري المحلي... وإذا عدنا إلى مباريات اليومين الأخيرين في ربع النهائي نصل إلى نتيجة مفادها لو أن الباراجواي سجلت ضربة الجزاء لاختلفت النتيجة، لأن الإسبان باستثناء ربع الساعة الأخيرة كانوا أقل من عاديين واستطاع مدرب الباراجواي أن يقرأ المباراة بشكل جيد وأن يتعامل مع معطياتها بما يتوافق مع إمكانات خصمه.

في كل الأحوال فإن هذه البطولة لم تكن بالمستوى المطلوب وإن كانت الأجواء الرياضية في أرض الملعب مختلفة جداً حيث الحماس اللامتناهي... حتى الفوفوزيلا لها وقعها في الملعب وأضفت عليه جواً خاصاً اعتاده المشاهدون لتصبح جزءاً مهماً من تقاليد المباريات.