إذا حكمنا بأن العشرينة والثلاثينة ليست في متن اللغة، فإننا لا بد حاكمون بأن العشرينية والثلاثينية والأربعينية ليست كذلك في متن اللغة على وجه اليقين.

تجري الألسنة والأقلام من حين إلى حين بتعبيرات وألفاظ لا تلبث أن تشيع من خلال الصحف والإذاعات والتأليف شيوعًا يستوقف الحريصين على سلامة اللغة ونقائها، فإذا هم يطيلون البحث فيها والطواف حولها ليتحققوا من صحتها، ومن أنها جارية مجرى كلام العرب في الاستعمال، أو في القياس، أو فيهما معًا. وما أكثر ما صدر من كتب في القديم وفي الحديث بناها مؤلفوها على تتبع هذه التعبيرات والألفاظ، وبيان ما فيها من خطأ، والتنبيه على الصحيح الذي يجب استعماله مكانها.

قادني إلى هذا الحديث مقال نشرته صحيفة يومية، تناول كلمتين نقتصر هنا على الثانية منهما، ونبدأ بنقل ما كتبه عنها بحروفه، قال:


«وثمة كلمة ثانية يستعملها الناس في عصرنا على أنها صواب، وهي عريقة في الخطأ، وهي كلمة: العشرينات والثلاثينات والأربعينات، وما إلى ذلك من سائر العقود. ووجه الخطأ في هذا الاستعمال أن هذه الكلمات جموع لعشرينة وثلاثينة وأربعينة، وليست هذه الكلمات في متن اللغة، إذ كانت لا معنى لها.

والصواب في الاستعمال أن يقول القائل: هذا حدث في العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات، بمعنى أنه حدث في السنوات المنسوبة إلى العشرين والثلاثين والأربعين وما إليها. فالكلمة يجب أن تكون مستعملة على طريق ياء النسبة، وحَذْفُ الياء هذه خطأ، عريق في باب الخطأ الذي يكاد يهبط إلى منزلة الخطيئة، لأن الفصحى من شعائر الإسلام، ولأن الحرص على العربية حرص على لغة القرآن..».

ولقد غاب عني فهم ما قصد إليه من قوله إن العشرينات بغير ياء النسبة عريقة في الخطأ، وأن «حذف الياء هذه خطأ عريق في باب الخطأ»، فلم أفهم معنى العراقة هنا، إن الذي يتبادر إلى الذهن من ظاهر اللفظة أنها تعني القدم في الاستعمال على هذه الصورة، فهل وردت العشريات وأضرابها في كلام العرب قديمًا؟ هل جاءت في شعر أو نثر من عصور الاحتجاج اللغوي؟ إن كانت في مثل هذه العراقة فأولى أن تقول إنها عريقة في الصواب» وإن لم تكن قد تحدرت إلينا من تلك العصور، ففي أي عصر بدأ استعمالها؟ فإن كانت هذه اللفظة لم تجر في الاستعمال إلا في المائة الأخيرة أو قبلها بقليل، فليس لنا أن نقول منها إنها عريقة، لا في خطأ ولا في صواب.

وإن كان المقصود من «من العراقة في الخطأ» أنها مخالفة لطريقة العرب في بناء الكلمة وفي جمعها، وليس في استعمال هذا الجمع بعينه قديمًا، فذلك يقودنا إلى مسالك أخرى من الحديث.

فالعشرينات والثلاثينات والأربعينات ليست بالضرورة «جموع عشرينة وثلاثينة وأربعينة» التي هي ليست في متن اللغة، إذا كانت لا معنى لها».

والجمع الذي ينتهي بالألف والتاء، والذي يسمونه جمع مؤنث سالمًا، ليس دائمًا جمعًا لمؤنث إذ كثيرًا ما جمعت عليه ألفاظ لمذكر غير عاقل إذ لم يكن لهذه الألفاظ جمع تكسير، فألفاظ مثل حمام، وخزان، وسجل وقرار، ومسوغ، تجمع على حمامات وخزانات، وسجلات وقرارات ومسوغات، وكلها في مفردها تدل على مذكر غير عاقل. بل استعملوه أيضًا في القديم والحديث لجمع الجمع، للمذكر العاقل وغير العاقل ففي العربية، رجال ورجالات، وجمال وجمالات، وبيوت وبيوتات، وبيوع وبيوعات، وأهرام وأهرامات ومفردها مذكر.

ثم إذا كنا قد حكمنا بأن العشرينة والثلاثينة ليست في متن اللغة، فإننا كذلك لا بد حاكمون بأن العشرينية والثلاثينية والأربعينية ليست كذلك في متن اللغة على وجه اليقين، ولم يجرِ بها لسان أحدٍ من العرب في القديم. ونحن نعلم أن مجمعنا في القاهرة قد بحث هذه الألفاظ وجموعها، وذهب إلى ما ذهب إليه الأستاذ الجليل وعد العشرينات، وأضرابها خطأ، و العشرينيات، وأضرابها هي الصواب.

1978*

* كاتب وباحث أردني «1922 - 2015».