وأجمع مهندسون ومعماريون على أن كود البناء السعودي يحمي المباني من الهزات الزلزالية، وأن لكل منطقة في المملكة معامل زلزال مختلف عن الأخرى، وأن المكاتب الاستشارية والهندسية في السعودية، تتعامل مع تلك المعاملات الزلزالية بدقة عالية، أثناء إعداد التصاميم الإنشائية للمباني الخاضعة للكود، وكذلك أثناء التنفيذ.
وشدد هؤلاء على أن اشتراطات الكود ودقة التفاصيل فيه شملت كافة جوانب الأمن والسلامة في جميع التفاصيل.
وأوضحوا أن المكاتب الهندسية والاستشارية ملتزمة بالاشتراطات والمتطلبات الإنشائية في الكود، بما فيها المتطلبات الإنشائية التي تشمل دراسات التربة ومعايير التصميم المقاوم للزلازل، والتي تؤمن السلامة والصحة العامة، وأشاروا إلى أن تلك الاشتراطات والمتطلبات والمعايير متوفرة على البوابة الإلكترونية للكود.
معامل الزلازل
أبان المهندس عبدالمحسن البقشي أن كود البناء السعودي فيه اشتراطات للحماية من الزلازل، وتوجد جداول خاصة بالزلازل تبعًا لكل منطقة في المملكة، ويتم الاستناد إليها عند تصميم المنشأة لضمان تحملها للزلازل، والجداول تؤمن الحد المدروس جيولوجيا لوضع الزلازل وتاريخها في المنطقة.
من جانبه أكد، المهندس المعماري عمار ناصر البطاط، أن كود البناء السعودي يحمي المباني الخاضعة للكود من الزلازل، وأن لكل منطقة في المملكة، معامل زلزال مختلف عن الأخرى.
مرونة مهمة
شدد المهندس الاستشاري (PMP)، كمال القبلي، على أهمية الدور الذي يلعبه تطبيق كود البناء في التعمير، حيث يسهم في تقليل الخسائر المادية وسلامة السكان عند حدوث زلازل لا سمح الله، وذلك بالمرونة التي يوفرها للبناء وخلق فجوات تمكن قاطني البناء من النجاة، وتحول دون الانهيار الكامل الذي شوهد في الزلازل الأخيرة.
وأوضح القبلي لـ«الوطن»، أولا نعرف الزلازل بتعريف مبسط لإعطاء تصور واقعي وعلمي وموضوعي عن هذه الظاهرة الطبيعية التي تحدث في أرجاء العالم قاطبة بين فترة، وأخرى على أنه اهتزازات مفاجئة لسطح الأرض نتيجة حدوث طاقة حركية هائلة وموجات زلزالية لطبقات الصخور في باطن الأرض، ثم تضغط هذه الطاقة الحركية المختزنة تحت القشرة الأرضية لتسبب تصادمات وارتطامًا قويًا وهائلا بين كتل طبقات الصخور؛ لتشكل هذه الانزلاقات والتراكب لطبقات الصخور الهزات العنيفة والتصدعات على سطح الأرض، وقد يصاحب ذلك ظهور البراكين.
وأضاف، ثانيًا: كثير ما تظهر تساؤلات بعد أحداث الزلازل ومقدار الدمار الحاصل في المباني وهلاك كثير من السكان عن دور المهندسين ودور التصميم والإشراف، وعن كود البناء المستخدم في تلك المباني؟.
وللإجابة نقول إن تصميم المباني السكنية خاصة، وجميع المباني بشكل عام يجب أن تخضع للتصميم بطريقة بارعة ومبتكرة؛ لتكون قادرة على مقاومة الهزات الزلزالية وتأخير السقوط لإنقاذ أكبر عدد من الناس ممن يقطنونها.
مفهوم التصميم
أوضح القبلي أن التصميم الهندسي والمعماري، وأهمية ومفهوم التصميم عبارة يجب أن تأخذ معناها الحقيقي في التوعية والتثقيف الهندسي، وهي عبارة قصيرة بمفهوم عميق وكبير يتشعب في كل الاتجاهات الإنسانية والاقتصادية والخدمية الوظيفية والجمالية والأمن والسلامة، وسرعة التصرف بتلقائية فورية في الأحوال الحرجة للتمكن من إخلاء المبنى بأسرع طريق آمن وأقل زمن ممكن.
هذا المفهوم التثقيفي الهندسي لأهمية التصميم يحتاج منا «كل القطاعات دون استثناء»، وعمل كثير من الندوات والمحاضرات والمؤتمرات المتكررة والبوسترات والأدلة الفنية، وتبسيطها للفهم والقراءة والاستيعاب ونشرات التوضيح الملونة والمختصرة لإيصال الرسالة الهندسية لعموم الناس، والإدراك والإحساس بأهمية وجدية التصميم، وأنه ليس فقط بضع وريقات مرسومة في إطار مخططات هندسية للحصول في نهاية المطاف على إجازة ورخصة البناء.
وتابع «هذه المهام والمفاهيم الخاصة عن أهمية ومفهوم التصميم مطلوب إيصالها للعموم كافة، وهي تمثل عناصر عميقة للجدية، وأساسية لكثير من مفاهيم السلامة والأمان والاقتصاد والجمال، وتحقيق الوظائف المطلوبة من مرافق المباني للاستخدامات المختلفة كافة».
وأكمل «من المهم إدراج هذه المقدمة الهامة لأهمية التصميم لكي نحاول جميعًا بكل القطاعات هندسية وغيرها، وجميع الجهات الإعلامية والصحفية وجهات التعليم والجامعات والمعاهد ومراكز التدريب استشعار دورها الهام».
تجارب تطبيقية
يكمل القبلي «الهندسة هي تجارب تطبيقية عالمية، بدأت منذ بدايات الإنسان، وتبلورت تلك التجارب والمحاولات لسلوكيات وممارسات تطبيقية من جانب، وعلمية من جوانب أخرى، وربط العلم بالتطبيق لتظهر ملامح الكودات والاشتراطات العالمية في قطاع البناء والتشييد، والدولة ممثلة في وزارة الشؤون البلدية والإسكان عكفت وطورت هذا الجانب والخاص باستحداث كود بناء سعودي متميز منذ أكثر من 20 عامًا..
وظهر هذا الكود الذي أجزم أنه يتقدم على جميع الكودات والاشتراطات العالمية الأخرى؛ كونه خضع إلى كثير من الخبرات، وجمع أفضل التطبيقات والممارسات العالمية، ثم أُخضع ذلك لظروف وبيئة المملكة الحارة جدًا صيفًا والباردة شتاء مع ظروف التربة الصحراوية والزراعية والساحلية، حيث يمثل مناخ المملكة وطبيعة بيئتها معظم البيئات العالمية المجاورة وغير المجاورة، مما جعل هذا الكود السعودي يرفع علامة التميز والنجاح والاتقان».
تطبيق تدريجي
تم الإعلان عن تدشين الكود السعودي للبناء في عام 2018 ثم تم التوجيه بالتطبيق تدريجيًا على المباني التجارية والمشاريع المميزة، ثم يصل التدرج إلى المباني السكنية في وقت لاحق.
ويبين القبلي «كل الكودات والاشتراطات واللوائح العالمية كافة لا تستطيع بناء مبان مقاومة تمامًا لحدوث الزلازل، ولكنها تستطيع بالقطع تقليل كثير من الأضرار والخسائر البشرية، وهذا هو الهدف الأساسي للتصميم واشتراطات ولوائح نظم المباني، وعلى رأسها كود البناء السعودي».
ويتابع «التصميم ضد الزلازل يشكل مبنى كثير المرونة في كل الاتجاهات، ولذلك يصبح هذا المبنى أقل خطورة من المبنى الذي لا يخضع لذلك».
ويتابع «لاحظنا في الزلزال الأخير في سورية وتركيا انهيارًا كاملا ومفاجئًا لجميع أدوار المبنى بشكل كامل، مما يعطي تصورًا أن المبنى لا يتمتع بأي مرونة إنشائية لعناصر الهيكل الخرساني، ولذلك انهار وبسرعة دون أن يعطي إنذارًا للساكنين لغرض الإخلاء السريع، وكان هذا الانهيار الكامل وبكتل خرسانية وحجرية صغيرة جدًا لا تساعد الأحياء تحتها للتحرك أو البقاء طويلا تحت هذه الأنقاض سريعة الانهيار وكثيفة السقوط».
الصمود لفترات
أشار القبلي إلى أنه «على النقيض من المباني التي انهارت بسرعة، فإن المبنى المصمم ضد الهزات الأرضية وفقًا لمناطق ودرجات تلك الهزات الأرضية يساعد كثيرًا في الصمود لفترات (لقوة وزيادة المرونة للأجزاء والهيكل الخرساني للمبنى)، كما أن سقوط المبنى لن يكون انهيارًا شاملا ومفاجئًا، بل سيشكل السقوط فراغات كبيرة يمكن للأحياء البقاء فيها إلى حين وصول فرق الإنقاذ، وإنقاذ هذه الحالات سيكون سهلا وميسرًا، وفرص إنقاذها سيكون أكبر، وهذا هو الفرق بين مبنى مصمم لمقاومة الزلازل، ومبنى آخر يفتقد لهذه الخاصية الهندسية التي ستنجي».
فرص الحماية
يشرح القبلي فرص الحماية من الزلازل والهزات الأرضية التي يوفرها تطبيق الكود السعودي للبناء، ويقول «الأكيد أن تصميم المباني وفقًا لكود البناء السعودي يأخذ كل الاعتبارات لجميع الدرجات والمقاييس الخاصة بالخارطة الزلزالية في جميع مناطق المملكة، حسب تقييمها في تلك الخارطة، وهذه مسؤولية المهندس المصمم لاختيار المنطقة وفقًا لما يتفق معها في الخارطة الزلزالية لمناطق المملكة».
ويتابع «وحيث إن تصميم المباني لمقاومة الزلازل سيجعل من هياكلها الخرسانية مرنة مع الهزات، مما سيخفف كثيرًا من السقوط المفاجئ للمبنى، مع تشكيل فراغات كبيرة داخل الكتل الخرسانية المنهارة، مما يساعد في فرص كبيرة لحماية القاطنين وسرعة وصول طواقم الإنقاذ لهم في حالة حدوث ذلك».
استنساخ التجربة
ختم القبلي بالتأكيد على أن الجهد والعلم والخبرة وعمق الدراسة التي تم بواسطتها إنجاز كود البناء السعودي يستحق الحصول على جوائز عالمية، وقال «يمكن عرض هذا الكود المميز على السلطات الحكومية السورية والتركية لتبني ما فيه خلال مرحلة إعادة الإعمار للمباني المهدمة».