أول خطاب ألقته الملكة إليزابيث الثانية كان وهي طفلة، وذلك في الحرب العالمية الثانية التي تلاها انضمامها للجيش برتبة ملازم أول، ويقال إنها تجيد الميكانيكا كما أنها - ولا شك - تجيد الابتسام، وهو ما شاهدناه في التلفزيون وهي تشكر بريطانيا العظمى على احتفالها بمرور ستين عاماً على وجودها ملكة عليهم، وهي ستون عاماً بدأت منذ سنة 1952، وهو العام نفسه الذي قامت فيه الثورة المصرية ضد الملكية وتبعتها الدول العربية في ثورات نُزع فيها الملوك ووضع بدلاً منهم الطغاة الذين قرر العرب مرة أخرى - وفي مزامنة لاحتفالات بريطانيا باليوبيل الماسي لجلوس ملكتهم على عرشها - الثورة على رؤسائهم بدعوى الطغيان والظلم!
في الواقع، أن ما بين الملكية البريطانية ورعاياها وقعت الكثير من الثورات الصغيرة والغضبات والاعتصامات والمعارضات، ليس حول إلغاء الملكية والانقلاب عليها، بل حول تغيير قوانين معينة، وزيادة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات، وتحسين حياة المواطن وما يستحقه من حريات، وهي في الغالب تنتهي بالتفهم والقبول من قِبَل ملوك وملكات بريطانيا؛ مما زاد من مكانة الأسر المالكة البريطانية التي تنقل التاج فيما بينها بأسباب منطقية يقبلها المنتمون لها؛ لأن طبيعتهم غالباً واقعية وليسوا مرهقين بالعاطفة مثلنا نحن العرب.
لقد كان الشعب البريطاني فطناً وذكياً فلم ينزع حاكمه أو ينقلب عليه ليترك البلد عرضة للانهيار، على الرغم من أنه لا يفصلهم عن فرنسا سوى القنال، فرنسا التي ثارت على الملكية ومرت بعقود من الانفلات الأمني وقدمت آلاف القتلى؛ لتجد نفسها في أحضان طاغية آخر نصب نفسه إمبراطوراً وهو نابليون بونابرت.
في الحقيقة، تتمتع الملكة البريطانية بسلطة اتخاذ ستة قرارات مهمة من بينها حل البرلمان والتصديق على القوانين، لكن الملكة إليزابيث ترفض استخدامها وتمنحها لرئيس الوزراء المنتخب، كما أنها وهي ملكة على دولة علمانية تحترم الكنيسة، ويظهر ذلك في عدم تدخلها لصالح ابنها تشارلز الذي ترفضه الكنيسة ملكاً.
والبريطانيون يعتزون باسم بلادهم الطويل جداً الذي يُختصر عادة في Uk، كما نعتز نحن باسم بلادنا المملكة العربية السعودية، مهوى أفئدة المسلمين، التي تساوي مساحتها ضعف مساحة بريطانيا وفرنسا وألمانيا، ويمكن لمن يشك أن ينظر إلى الخريطة!
نحن السعوديين ملوكنا عادلون، ولا نشك مطلقاً في أن تطلّعنا ورغبتنا في المزيد من المشاركة في القرارات التي من شأنها المحافظة على بلادنا وتقدمها في محل عنايتهم، ولله الحمد.