كنت وصديقي الصحافي الهولندي (أرثر) نتحدث عن أحوال الدنيا الخاصة والعامة في جلسة مفتوحة بلا رقابة ولا خوف ولا وجل، فذكر لي شكواه حيال ابنه الأكبر حيث إنه ذهب كي يعيش في أمستردام وهي عاصمة هولندا من أجل الحياة الجامعية، بيد أنه أي الأب أبدى تخوفاً من ترك ابنه كي يواجه بنفسه إشكاليات هذه الحـيـاة المـعــاصـرة، حيث إن الــحــيـــاة في هـــــولــــنــدا (أمستردام) جميع الحريات فيهامتاحة، سواء تقنين المخدرات ، أو من تلك الحريات التي هي في حقيقتها إشكاليات تواجه حتى المجتمعات الغربية المحافظة عموماً، وذلك أن الاتجاهات المتطرفة اليسارية في العالم تريد أن تصبغ الإنسانية بصبغتها المتوحشة، حتى وصلت لتغيير الصفة الثنائية والتقسيم المنطقي الذي لا يمكن أن يقبل العقل غيره لبني البشر من ذكر وأنثى، فيخشى الأب من تفرد تلك المخدرات بهذا الشاب الصغير الذي لا يزال غضاً طرياً تجاه ما يواجه من إشكاليات عميقة قد رسختها حياتنا المعاصرة، من قبل توجهات متطرفة لا تريد لهذا العالم الاستقرار والسلام والاطمئنان، وإن كانوا يظهرون خلاف ذلك. بيد أن الأمور تتكشف وتنجلي للإنسانية بحقائقها ولا عبرة بالألفاظ والشكليات إذا ما تبينت المقاصد والنوايا ذات العمق المتطرف التي تصدم الإنسانية في عمقها الأصيل الذي تبنته كل الشرائع، التي استمدت حقائقها من خالق الكون.

وهذا الربط بين الكون ومبدعه، هو الركن الرصين والأساس المتين في إبطال كل وجل ترهات اليسار المتطرف، بكل توجهاته وأحزابه المنتشرة حتى وصلت وألقت بخيوطها وأطنابها فتسللت إلى بلادنا، من خلال الاستمتاع والفن والطرب دون نقد جاد وحقيقي لهذه التوجهات المدمرة للمجتمعات. فهذا التطرف الدفين الذي يتم تسويقه على البشرية بقيادة إعلام عالمي ودول كبرى تم قيادتها بفكر يساري ذي عمق أصيل في تطرفه، مثل حكومة الولايات المتحدة الأمريكية الديمقراطية المعاصرة، والإعلام الأمريكي الموالي لها، فهم يقودون أجندة يسارية متطرفة،ويتوافق معهم كثير من الدول الأوروبية المؤثرة وإعلامها الذي يزعم الاستقلالية والصدقية، وهو قابع ومكبل ومحاط بالفكر الاستخباراتي من خلال المحللين والخبراء ذوي الأجندات الموجهة من قبل اليسار المتطرف، واحتقار ما عدا ذلك من أفكار ورؤى وتصورات، سواء كانت قائمة على أسس فلسفية منطقية، أم كانت قائمة على تشريعات دينية من خلال الأديان السماوية. وأفكار اليسار التي يتم تسويقها على العالم لها صور وأشكال لا تكاد تخطئها عين البصير الخبير بهذا الفكر الخطر على الدول في أمنها واستقرارها، فمن ذلك التطرف عدم التفريق بين الذكر والأنثى في بدايات التعليم لدى الطفل الصغير الذي لا يكاد يعرف إلا البراءة الإنسانية التي أودعها فيه خالقه ، ولقد كانت هذا البراءة المودعة من قبل خالق الكون في هذا الصغير مرادة ومقصودة، كي يبين أنك أيها الإنسان فيك أصل البراءة والنزاهة ونصاعة القلب ،فلا تنكت فيه بتلك النكتات السوداء التي تجعلك تخرج عن طور البراءة والفطرة الإنسانية ناصعة البياض إلى السواد حيث الدمار الذي تراكم من خلال انتزاع البراءة ، وهذه نكتة قلما يتنبه لها بل إنه يغفل عنها كثير من الوعاظ والمربين فضلاً عن أصحاب التوجهات الفكرية، فإذا ما نشأ هذا الطفل بهذا الفكر المعوج حيث لا يعي حقيقة هويته هل هو ذكر أم أنثى؟ فإننا نكون أمام مجتمع مضطرب النشأة ،مشوش الهوية، مبعثر الأفكار، فيسهل إسقاط أي فكر عليه، وجعله وقوداً لهذا الفكر الذي في الغالب يكون خارجاً عن المألوف، ومسبباً لضرب الاستقرار والأمن والطمأنينة التي ترغب فيها المجتمعات الإنسانية.

كذلك من إشكاليات هذا اليسار المتطرف ضرب المنطق المعرفي الإنساني في البديهيات التي تكمن في حقيقة كل إنسان من ذكر وأنثى، بل إنه من البديهيات لدى كل المخلوقات ، وهذه الإشكالية هي تعريف الزواج، حيث خالف اليسار المتطرف العالمي في ذلك، فجعل الزواج بين إنسانين فقط بغض النظر عن جنسهما، فتتزوج المرأة المرأة ويتزوج الرجل الرجل، وهذا من أخطر ما ينشره ويعلن عنه الفكر المتطرف اليساري في العالم كله، وهذه الفكرة يتم دمجها وخلطها بشكل مؤسس لها في آليات التواصل الاجتماعي، و في الإعلام بكل أشكاله وصوره خصوصاً عبر الأفلام والمسلسلات سواء الأجنبية أم كانت العربية، وهنا تكمن الخطورة على مجتمعاتنا!! فلا الشرائع التي أنزلها خالق هذا الإنسان ولا الأعراف الإنسانية قد أقرت هذا الشكل من التزاوج، لأنه ليس تزاوجاً بل هو انحلال أخلاقي وسقوط للإنسانية في خبال وجهالات فكر متطرف يساري ليس له أي حدود في إسقاطاته اللاإنسانية على مجتمعاتنا الإنسانية التي تتمتع بالأمن والاستقرار والطمأنينة.


ومن إشكاليات هذا اليسار المتطرف التوجه إلى تقنين كثير من المخدرات مثل الأفيون والحشيش،و وجد في دول أوروبية وفي ولايات أميركية، وهذا التوجه هو سعي إلى جر الإنسانية كي تكون مجتمعات مدمنة تتعاطي هذه الآفات، كي يسهل التحكم والسيطرة على تلك المجتمعات التي لا تسعى إلا بإشباع ذلك الإدمان.

وعوداً لصديقي الصحافي الهولندي بعد أن استعرضنا ما يشوب حياتنا من إشكاليات يسارية فذكر لي أن ابنه يخيل إليه أنه يعلم كل شيء فلقت له: إنها تجارب هذه الحياة الدنيا التي جرت على السابقين والأولين ولا تزال تجري على الآخرين، بيد أن الأغرار والأحداث والشبيبة لا يكترثون لذلك ويضربون به عرض الحائط، حتى عندما يقعون في براثن ذلك اليسار المتطرف أظهروا الندامة والأسى ولات حين مندم.