منجم «بُلغة» هو منجم مفتوح على سطح الأرض، يستخرج منه معدن الذهب والفضة اللذين يشكلان معظم منتجاته من عروق الكوارتز في الصخور البركانية المتراكمة في منطقة المدينة المنورة، ويُعد المنجم الأكبر إنتاجًا للذهب حتى الآن في المملكة، وقد بدأ الإنتاج فيه منذ العام 2008 ليستمر عمره الاقتصادي حتى العام 2032، بينما تستمر عملية المعالجة حتى العام 2039، باحتياطي يقدر بـ20 مليون طن وبتركيز 0.9 جرام ذهب لكل طن من الصخور.
يصل الإنتاج السنوي لمنجم «بُلغة» إلى 10 ملايين طن من الصخور بعد عمليات الحفر والتفجير، حيث يتم تكسير 18 ألف طن من الصخور يوميًا، وتتم معالجة 6 ملايين طن سنويًا في منطقة الترشيح، حيث يتم فيها استخلاص الذهب على شكل سائل ثم يضخ لحاويات الكربون أو غرف لشحنه كقوالب كربونية «عالية التركيز» إلى منجم الصخيرات في منطقة القصيم لتستكمل عملية معالجته وتحويله إلى سبائك، في حين تستكمل عملية المعالجة في المنجم للصخور المنخفضة التركيز من المعدن.
يقع المنجم بالقرب من قرية «بلُغة» التي تبعد عن المدينة المنورة نحو 240 كلم، إذ تتبع القرية ومنطقة المنجم إداريًا، محافظة الحناكية التابعة لمنطقة المدينة المنورة، والقريبة من منجم الصخيبرات التابع لمحافظة عقلة الصقور في منطقة القصيم، والذي يتم فيه استكمال معالجة الصخور عالية التركيز بالذهب، حيث تصل نسبة تركيز الذهب إلى 98% في القوالب عالية التركيز، وتتم المعالجة بأساليب كيميائية وفيزيائية متقدمة لتحويله إلى سبائك من الذهب.
تقوم شركة «معادن» الوطنية بالاستثمار في استخراج الذهب وغيره من المعادن في منجم «بُلغة» وغيره من المناجم المتناثرة بشكل كبير في المنطقة الغربية من المملكة، نظرًا لطبيعة التكوين الجيولوجي للمنطقة وتاريخه الزمني والذي يعرف بالدرع العربي، والذي تكونت بُنيته الجيولوجية وشكله الطبوغرافي كنتيجة للانكسار الأخدودي الذي حصل في منطقة البحر الأحمر، التي كانت متصلة بالقارة الأفريقية، وعلى أثر هذا الانكسار تكون البحر الأحمر كأخدود انكساري عميق يمتد حتى شمال سهل البقاع في لبنان، ولحفظ التوازن في كتلة الأرض، قفزت الجوانب المحيطة بالأخدود كجبال متفاوتة الارتفاع وكحرات ممتدة على جانبي البحر الأحمر الشرقي والغربي، فامتدت ككتل صخرية بركانية نتيجة للبراكين التي صاحبت عملية تكوين البحر الأحمر.
عملية الاستثمار في استخراج المعادن في السعودية، لم تكن إجراءات حديثة لمواكبة التنمية وتحقيق أهدافها الإستراتيجية، وإنما بدأت منذ العام 1929، حيث حُفر أول منجم سعودي في عهد الملك عبد العزيز، قبل اكتشاف البترول وإنتاجه كمورد اقتصادي أساس استندت إليه مقومات التنمية الوطنية التي استمرت وتطورت على مدى نصف قرن من الزمان، وما زالت تحقق قفزات في مسيرتها التنموية في إطار رؤية 2030، وبما تضمنته من مستهدفات وبرامج ومبادرات، وما لحقها من مشروعات واعدة وأخرى تم تحقيقها كمنجزات تجسد تطلعات الدولة وجهودها نحو تحقيق التنمية المستدامة.
تعمل شركة «معادن»، وغيرها من الشركات في الاستثمار الصناعي، فيما تزخر به المملكة من موارد معدنية متنوعة، للمساهمة في تنويع القاعدة الاقتصادية المكونة لموارد الدخل الوطني، ولتعزيز قيمة ونوع الإنتاج المحلي، بما يضيف لمكانة المملكة عالميًا، ويزيد من ثقلها الإستراتيجي في الميزان الدولي اقتصاديًا وسياسيًا، وبما يجسد أهمية دور القطاع الخاص في العمل على تحقيق أهدافنا الوطنية كشريك في التنمية وراعٍ لها، لكونه يستثمر في مقدرات الوطن، ويستفيد من إمكاناته المتاحة بما تمنحه الدولة من تسهيلات وخدمات، في إطار خطة تنموية لرؤية تحتوي جميع مواردنا الوطنية.
تُنفذ شركة «معادن» في برنامجها الاستثماري سياسة التنمية المستدامة في جميع محيطها الاستثماري وعملها القائم في المنجم، بدءًا من عملية الاستخراج والمعالجة بالمحافظة على البيئة من تأثيرات التفجير ومخاطر الزلازل وحماية المياه الجوفية الباطنية من أي نوع من التسريبات الطبيعية والكيميائية التي تتم أثناء المعالجة بما تضعه من عوازل لحماية التسرب والانهيارات، إلى دورها في تحقيق التنمية المستدامة المتضمنة لمنشئاتها بجميع الإمكانات المتاحة والممكنات الميسرة للخدمات المطلوبة في مركز العمل لمواردها البشرية، بما يسهم في تحقيق جودة الحياة في منطقة نائية.
لعل من أكثر ما استرعى انتباهي وإعجابي وتقديري هو سياسة الشركة وجهودها الواضحة، في الاهتمام الموجه نحو تنمية قرية «بلُغة» في جميع متطلباتها التنموية، سواء بتشغيل سكان المنطقة بعد تدريبهم وتأهيلهم ليشكلون نحو 80% من جملة المواطنين العاملين في المنجم، والذي يمثل المواطنون فيه نحو 60-65% من العاملين فيه مع مساعيهم نحو تمكين المرأة، علاوة على جهودهم في إحياء المنطقة والعمل على توفير خدماتها، بإنشاء المدارس والمساجد وتعبيد الشوارع وزراعتها وتوفير مراكز تموين للسكان في المنطقة -بقالة-، بالإضافة إلى توفير الكهرباء عبر مولدات تتبع المنجم واحتياجاته اليومية.
«بُلغة» نموذج من منجزاتنا الوطنية التي نعتز بها ونفخر بمستوى أدائها وجودة إنتاجها بأيد وطنية شابة تقوم على إدارة وتشغيل المشروع، ليضيف لمشروعنا الوطني قيمة اقتصادية وأهمية اجتماعية ثمينة، وليترجم مفهوم التنمية المستدامة في مشروع تطبيقي يثبت نجاحه على جميع المستويات المحلية والإقليمية والعالمية كنموذج لمنتج وطني متكامل الأركان.