هذه الاستجابة الطبيعية التي لم تكن مستغربة، أضافت فصلاً جديداً من الدعم السعودي للمحتاجين في مختلف دول العالم، وقدمت دروسا عملية للآخرين، في فنون العمل الإنساني والإغاثي، وذلك لاعتبارات كثيرة في مقدمتها أن القيادة السعودية، لم تنشغل كثيرا بالاعتبارات السياسية، خاصة فيما يتعلق بالأوضاع في سوريا، ولم تول أهمية لوجود تمثيل دبلوماسي أم لا، ولم تلجأ لإضاعة الوقت، فقد كانت صرخات المدنيين السوريين كافية للتجاوب معها، وكانت دموع الأطفال والأرامل والشيوخ، الذين فقدوا أقاربهم تحت الأنقاض دافعا لمد يد العون إليهم.
وفيما كان الآخرون يتباحثون في كيفية التعامل مع الأزمة في سوريا، ويهدرون الوقت الثمين في اجتماعات واتصالات لا تنتهي، ومناقشات عقيمة لا تقدم ولا تؤخر، كانت طلائع المساعدات السعودية قد وصلت، وساعدت أيادي عناصر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، في إعادة دفء الحياة للأجساد، التي أنهكتها موجات البرد القارس والجليد الذي لا يرحم، وأسهمت الأيادي الحانية في رسم البسمة، فوق شفاه أعياها العبوس.
واكتسب هذا الموقف الثابت للقيادة السعودية أهميته الخاصة، من سرعة الاستجابة حيث تكون للدقائق، ناهيك عن الساعات والأيام، قيمة عظيمة في إنقاذ أرواح المدنيين، لا سيما الأطفال والكهول، وهو ما دفع منظمة الصحة العالمية، لتقديم شكرها رسميا للمملكة على لسان مديرها التنفيذي، الدكتور مايك ريان، الذي أشاد خلال جلسة خاصة في جنيف بـ «الفهم الإنساني المتقدم لقادة المملكة ومواقفهم الراسخة»، حسب تعبيره.
كذلك من اللفتات العظيمة، التي احتوى عليها الموقف السعودي، هو أن الرياض لم تكتف بالمساعدات الحكومية فقط، بل فتحت باب المساعدة الشعبية، لتقديم العون للمحتاجين من خلال منصة «ساهم»، وذلك لتأكيد التلاحم الشعبي بين السعوديين، ونظرائهم السوريين والأتراك، وهي رسالة بالغة الدلالة. ولم يخيب الشعب النبيل ظن قيادته الحكيمة، وتسابق أفراده في الإعراب عن تضامنهم مع أشقائهم، وجمعوا ما يزيد على 300 مليون ريال في زمن قياسي.
في المقابل فإن هناك للأسف من أهدروا وقتهم في تقييم الاعتبارات السياسية، ورهنوا تقديم الدعم والمساعدات بالحصول على تنازلات ومكاسب، وفي النهاية تذرعوا بعدم وجود علاقات دبلوماسية، مع نظام دمشق تتيح لهم إيصال المساعدات للمحتاجين،
هل صارت أرواح المدنيين رخيصة للمساومة بها مقابل مكاسب سياسية؟
وهل يمكن للاختلاف السياسي أن يصل مرحلة الوقوف موقف المتفرج، دون تقديم المساعدة للأطفال الذين يصرخون من الجوع، والنساء اللاتي يذرفن دموع الألم، والرجال الذين ينتحبون حزنا على فقدان أبنائهم وزوجاتهم؟ أين هي حقوق الإنسان التي يزعمونها؟ والمواثيق والعهود الدولية التي وقعوا عليها؟ والمبادئ والشعارات العظيمة التي طالما رفعوها؟
لا غرابة فيما حدث، فهؤلاء لم يسبق لهم أن غرسوا شجرة، أو قدموا وجبة لأفواه جائعة، أو شربة ماء لمن أرهقهم الظمأ، أو جرعة دواء لمن أنهكهم المرض، وكل ما يجيدونه هو الزعيق الفارغ من كل محتوى، والخالي من أي مضمون. هؤلاء تناسوا أن الناس في مثل هذه اللحظات لا يطيقون سماع الخطب الرنانة عديمة المحتوى، أو الأناشيد الحماسية التي ليس بمقدورها أن تطرد شبح الجوع.
ولأنها مملكة الإنسانية ومهبط الوحي، فإن قادتها يحملون بين جوانحهم فلسفة واضحة المعالم، تقوم على تقديم الاعتبارات الإنسانية على ما سواها في أوقات الأزمات، بغض النظر عن أي مواقف، وهي قناعة يحرص عليها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان – حفظهما الله – سيرا على نهج أسلافهم منذ تأسيس البلاد، بعدم التردد في تقديم الدعم لمن يحتاجه، والوقوف بجانب الضعيف، وإن كان مخالفا، ما دام بحاجة إلى العون والمساعدة، وتلك لعمري هي شيم الكرام وأخلاق الفرسان.
هذه هي السعودية التي يتعاظم في كل يوم التقدير الذي تجده وسط الآخرين، وتكسب مساحة إضافية في قلوب الجميع، لما تظهره من تجاوب في أوقات الشدة، ولما تقدمه بسخاء منقطع النظير، جعلها في مقدمة الدول المانحة بشهادة المجتمع الدولي، ولا غرابة في ذلك، فهي رائدة العالم العربي والإسلامي وقائدته، وهي مهوى أفئدة المسلمين وقبلتهم، وقبلة الباحثين عن الأمن والأمان، ولا تنطلق فيما تقدمه من باب المن والأذى، بل تجسيدا لرسالة الإسلام وإيضاحا لحقيقته الناصعة.