عندما نتفاعل مع الفضاء السيبراني أو التكنولوجيا الرقمية والعالم الرقمي، فإننا نترك أثرا وراءنا. تماما مثل بصمات الأصابع على سطح ما، أو آثار أقدام على الأرض. المعلومات التي تجمعها أجهزة إنترنت الأشياءIoT الخاصة بنا وتفضيلات التجارة الإلكترونية لدينا، وعاداتنا الاجتماعية الرقمية، وردود أفعالنا على وسائل التواصل الاجتماعي على سبيل المثال، هي كل إجراء عبر الإنترنت يخلق غبارا رقميا Digital Dust كنوع من البقايا والآثار الثانوية للبيانات الأولية التي نشاركها بوعي على الإنترنت. فكلما زاد حجم البيانات التي ننشئها زاد الغبار الرقمي الذي نخلفه وراءنا.

يتكون أكثره من بيانات في الغالب غير منظمة أو شبه منظمة. ما ينشأ على وسائل التواصل الاجتماعي والوسائط المتعددة والغنية بالبيانات التي تجمع لا سيما من أجهزة الاستشعار مثال على ذلك.

ومع ذلك، فتطور أساليب الإنسان في معالجة البيانات وفهمها تطور أيضا، فرصه لتسخيرها واستخراج نتائج أكثر دقة ووضوحا. الاستفادة من هذه البيانات ليست بسيطة، فنحن لا نتحدث عن المعلومات والبيانات بشكلها الثنائي بالأبيض والأسود، لا، نتحدث عن تحليل البيانات التي تتعلق بسلوك الإنسان بكل تعقيدها الفوضوي. لذلك استحدث من إنترنت الأشياء، نمط التفكير وسلوك المستخدم، وهو إنترنت السلوك IoB الذي بدأ في تحويل العلاقة بين الشركات العملاقة وعملائها مع بياناتهم وغبارهم الرقمي. إذ يلتقط إنترنت السلوك، الغبار الرقمي الخاص بنا من مجموعة متنوعة من المصادر، للتأثير في نشاطنا بالفضاء السيبراني لا سيما التجاري منها، وبدورها تجمع التكنولوجيا الغبار الرقمي لترسم المعرفة التي تزداد تعقيدا بشكل متزايد كل يوم.


الغبار الرقمي وإنترنت السلوك هو الخطوة المنطقية والعملية بعد إنترنت الأشياء. فبينما يجمع إنترنت الأشياء البيانات من مليارات الأجهزة المادية حول العالم، فإن إنترنت السلوك يربطها بإجراءات العالم الحقيقي بشكل أساسي ومن القرين الرقمي. ونتيجة لذلك فإن أخذ البيانات المجردة وتحويلها إلى رؤية ومعرفة بشرية، يمكن أن يساعد هذا المزيج من التكنولوجيا وإنترنت السلوك، الشركات في تحليل الأفراد أو المستخدمين، والتأثير فيهم بطريقة أو بأخرى وبأسلوب أكثر شمولية.

وتشير التقارير إلى أنه من المتوقع بنهاية 2023، ستتبع إجراءات وسلوكيات ما يزيد على %40 من سكان العالم في الفضاء السيبراني والعالم الرقمي، وذلك لتحفيزهم أو التأثير في نشاطهم لا سيما في التجارة الإلكترونية.

فمع الاستخدام المتزايد للأجهزة القابلة للارتداء والأدوات المنزلية الذكية، وأتمتة أماكن العمل التي توفر مجموعة متزايدة من المعلومات وبنهاية 2025، يتوقع أيضا أن يكون أكثر من نصف سكان العالم جزءا لا يتجزأ من برامج إنترنت السلوك للشركات العملاقة سواء كانت تجارية أو غيرها. فهل ذلك لتقديم تجربة أفضل للمستخدمين... أو لكسر ثقة العملاء؟!

النسبة للشركات التجارية العملاقة، هذا سؤال جوهري كما هو الحال مع أي نشاط جديد يعتمد على البيانات.

ومن المهم جدا اليوم أن نتوقف لبرهة ونتساءل: هل ذلك فقط لأننا نستطيع، أم هذا لأنه يجب علينا فعل ذلك؟!

والإجابة هي أن IoB تمنح التجارة الإلكترونية فقط فرصة لتقديم تجربة عملاء ومستخدمين مخصصة، باستخدام الغبار الرقمي وبياناتهم للتعمق في ما قد يحفز الأفراد ويثير رغباتهم الشرائية.

كذلك في الطريقة التي قد يرغبون في أن تبدو تجربتهم وشعورهم بها. وهذا يفتح المجال أمام حالات لاستخدام بيانات أكثر حساسية، وحتى عملية لا سيما في نطاق أمن المعلومات والأمن السيبراني. ومن ناحية أخرى، يمكن الشركات العملاقة أيضا ويعطيها القدرة على أن تكون تعزيزية تدخلية. ومع وجود الغبار الرقمي فإنه يخفي دائرة ونطاق خصوصية البيانات وما تعنيه الموافقة عليها في كثير من الأحيان، واتخاذ الاجراء التالي، وهو استخدام الغبار الرقمي وهو إجراء أكثر ضبابية للمستخدمين.

بينما عند تعلق الأمر بتجربة المستخدم أو العملاء UX وبطريقة ما، تكون الشركات والمستهلكون في تبادل مستمر مع البيانات، وغالبا ما يسعد كثيرا العملاء بمشاركة هذه المعلومات لاسيما إذا كانوا قد حصلوا على قيمة في المقابل.

أما إذا كنا نتحدث عن تسليم كميات كبيرة من البيانات، فقط لتلقي المحاولات الفاترة لتخصيص الخدمات أو المنتجات، فلماذا نهتم؟! ولماذا لا ننسحب؟!

عندما يجمع الغبار الرقمي للمستخدمين وتحليله بمنهج إنترنت السلوك، الذي طور منهجا جديدا لتطوير تجربة المستخدم UX وهو تحسين تجربة البحث SXO «تجربة البحث الأمثل» والمنتجات النهائية وخدمات الشركات العملاقة وكيفية الترويج لها، فلا مجال عندئذ للانسحاب، بل هي الاستجابة والتفاعل.

دعونا نتفاعل الآن مع السيارة على سبيل المثال، ثم نفكر بالقيادة بكل أمان، مع الالتزام بتعليمات القيادة الآمنة.

بالطبع سوف تنخفض المخاطر والجميع رابحون.

والآن وعلى العكس تماما، قم بالقيادة بكل تهور ودونما الالتزام بتعليمات السلامة، بالطبع ستندم وستدفع أكثر.

اليوم وباستخدام المفهوم نفسه مع الأجهزة القابلة للارتداء، التي تمكننا من متابعة المرضى المعرضين للخطر من مسافة بعيدة. عوضا عن ذلك أن عديداً من الأشخاص يستخدمون بالفعل الأجهزة القابلة للارتداء، للعناية بصحتهم ويرغبون أيضا الحصول على طريقة لمتابعة صحة أفراد من يحبون من حولهم.

فهل ندفع بالغبار الرقمي لمن نحب للشركات التي تجمعه وتحلله، ونشاركها ذلك بوعي معهم، تستحق التجربة التي نتلقاها؟! أم أنها أرباح للجميع؟!