وهذا عنوان لمجموعة قصصية للصديق المبدع حسن عامر الألمعي، لكني أوظف دلالته هنا مشيرا إلى الحالة المتدنية لغويا التي يعانيها جل شبابنا، خاصة أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين الرابعة عشرة والخامسة والعشرين ممن تقف اللغة عقبة في مقدرتهم عن التعبير عن آرائهم ومشاعرهم لولا أنهم يستعيرون ما تكتظ به المنتديات الإلكترونية ورسائل الوسائط من عبارات جاهزة معلبة قد لا تقتضي الحال التي هم بصدد عرضها وإبداء وجهات نظرهم فيها.

نصف لسان بالفعل ستراه إذا طلبت من أحدهم أن يتحدث لدقيقة واحدة فحسب عن نفسه أو رأيه في أمر يهمه أو شأن من شؤونه، فتكثر المالئات الكلامية والتأوه وتتكرر إعادة اللفظ، ثم يتوقف الكلام قبيل انتهاء الدقيقة.. هذا إذا ما تغاضينا عن الأخطاء الواردة، سواء على صعيد تركيب الجمل أو تسلسل الفكرة أو توظيف المفردة الصحيحة. ثم نجد شابا جميل المحيا، بهي الطلعة لكنه – مع الأسف - بنصف لسان، فمن أفقده تلكم القدرة المهمة التي من شأنها أن تبين عن شخصيته ومعارفه وحضوره في أسرته ومجتمعه؟

نصف لسان نراه ماثلا حين نرجو المتخرجين الجدد في المقابلات الشخصية المسوغة للتعيين في الوظائف التعليمية أن يتحدثوا عن قضايا تربوية، أو مصطلحات درسوها قبلا، أو حتى الحديث عن ذواتهم وهواياتهم، نختبر مقدرتهم اللفظية ومهاراتهم في التحليل وعمليات التفكير، فنجد قاعا بلقعا من التلكؤ وتشتت النظرة والتحديق إلى أعلى، فيما لا نزال ننتظر أن ينبس صاحبنا ببنت شفة واحدة، فمن أوصل كثيرا من المتخرجين إلى هذه الحال، وهم الذين يعوّل عليهم تربية النشء على الحوار والمناقشة وطرائق التفنيد والإيضاح؟

إنها – ولاشك – التنشئة على مستويين، المنزل أولهما، حيث يفترض علماء التربية أن يخرج الطفل إلى المدرسة في بواكير عمره وقد اكتسب عددا جيدا من المفردات التي تشكل وعيه وطريقة تفكيره فيما حوله عبر المحاورة التي ترتقي بدخله اللغوي وترتفع برصيده من الأسماء والصفات والاستعارات والتشبيهات، وآخرهما النظام التعليمي الذي يتعرض له النشء من حيث تصميم برامج حوارية يومية تطرح فيها قضايا مقاربة لواقع الطالب بحسب مرحلته التي يدرسها، ويشرف عليها مؤهلون من ذوي المقدرة والمهارة، يوجهون الطلاب إلى استثمار لغتهم بأعلى قدر ممكن وفق خطة تراتبية منهجية يمكن حساب المفقود اللغوي فيها وتشخيصه ومن ثم علاجه.

نحن بالفعل محاطون بفئة كبيرة من الشباب المتوقد حماسة ونشاطا، غير أنهم يحتاجون إلى أن تنمو ألسنتهم اللغوية لنطلع بجلاء على رؤاهم.

هل قلت إن أكاديميين في جامعاتنا وفي أقسام العلوم الإنسانية بنصف لسان أيضا؟