ومن المعروف أن السوق السعودي هو محط أنظار واهتمام جميع الشركات العالمية لكونه الأكبر والأهم في المنطقة، وتفضل كثير من هذه الشركات أن تقوم بإدارة عملياتها من خارج المملكة بالرغم من أن إيراداتها وأعمالها تأتي من السعودية؛ مما يحد من زيادة ممكنات النمو الاقتصادي خلال السنوات القادمة. ومن هذا المنطلق بدأ اتجاه التفكير العملي بإطلاق عديد من المبادرات الإستراتيجية منها «مبادرة جذب المقرات الإقليمية للمملكة» التي أطلقها سمو ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان- حفظه الله- التي أراها، من وجهة نظري الشخصية، بأنها واحدة من أبرز المبادرات التي تم إطلاقها مؤخراً، وذلك لما تتضمنه من أثر إيجابي بعيد المدى، اقتصادياً، وحيوياً.
هذه المبادرة يجب ألا ننظر إليها من مجرد أنَّها مبادرة فقط، لدعوة الشركات العالمية إلى افتتاح مقراتها الإقليمية إلى المملكة، بل هي مبادرة ذات أبعاد اقتصادية مهمة، حيث لا يتعلق النقل بافتتاح المقرات فقط بل هناك مكتسبات عديدة تترافق مع نقل خبرات وتجارب هذه الشركات العالمية، التي تجلب معها كل أركانها وكياناتها، يأتي في أبرزها تحويل مركز صناعة القرار لهذه الشركات وما يتبع ذلك من جلب الخبراء والمختصين الاقتصاديين، التقنيات المتطورة، التجارب الثرية في مختلف الأنشطة الاقتصادية، أضف إلى ذلك الاستفادة من الدراسات والأبحاث العلمية التي تقوم بها هذه الشركات، كل ذلك يعتبر مدخلاً رئيسياً لتطوير أي مجال من المجالات التي تسهم في النهوض والتطور الاقتصادي.
ومن المكتسبات ذات الأثر الاقتصادي لهذه المبادرة، وفقاً لما أشارت إليه الجهات المختصة، فمن المتوقع أن تضيف «مبادرة جذب المقرات الإقليمية للمملكة»، نحو 67 مليار ريال للاقتصاد، إلى جانب ما توفره لنحو 30 ألف وظيفة وذلك مع حلول 2030 بأمر الله، تعالى، هذا إضافة إلى ما ستحدثه الشركات العالمية من حراك كبير في أسواق المملكة المختلفة، منها فتح مجالات جديدة، من بينها مجالات الاستشارات المهنية والضريبية والعلاقات الحكومية وحركة الحسابات المصرفية، إضافة إلى تعزيز علاقات التواصل مع القطاعين العام والخاص اللذين سوف يستفيدان من هذه العلاقات، لما توفره لهم هذه الشركات من خبرات واسعة، في مجالات متعددة ومتنوعة.
وهناك جانب آخر له أهمية كبيرة ستظهر تدريجيا بأمر الله، وهي أن منسوبي هذه الشركات العالمية سوف يجلبون معهم أسرهم، وهذا بدوره سوف يحدث حراكا في عدة جوانب أخرى، منها زيادة الحراك في السوق العقارية، فهناك دراسات وضحت ذلك من خلال نشراتها المتخصصة، وأشارت الى زيادة الحراك في الأسواق الاستهلاكية، إضافة إلى قيام هذه الشركات بضخ عملات أجنبية بما يخدم الاقتصاد السعودي، سواء ذلك في البنوك أو الأسواق المختلفة.
فضلا عن ذلك، نجد أن الاستجابة السريعة التي أبدتها كبرى الشركات العالمية، بنقل مقراتها إلى المملكة تأتي من مطلق رغبة هذه الشركات وإدراكها بأهمية التوسع في أسواق المملكة كما تؤكد لنا عمليا نجاح هذه المبادرة في تصحيح مسار خدمة النمو الاقتصادي، فوفقاً لأحد البيانات والاحصائيات، فإن هناك نحو 80 شركة من كبرى الشركات العالمية، قد أصدرت تراخيص تتعلق بنقل مقراتها الإقليمية إلى المملكة، وإذا نظرنا إلى أسماء هذه الشركات، نجدها شركات لها ثقلها ووزنها الاقتصادي العالمي إضافة إلى تنوعها في القطاعات والصناعات التي تعمل فيها.
كما أن وجود هذه الشركات العالمية على أرض المملكة، سوف يسهم كثيراً في جذب وتوظيف رؤوس الأموال المحلية والأجنبية؛ وذلك لأن المستثمرين لا يضخون أموالهم في أي مشاريع إلا بعد التأكد من وجود خدمات على أعلى مستوى، تقدمها لهم شركات عالمية ذات خبرات عريضة، وهذا ما ستوفره هذه الشركات العملاقة التي ستلعب دوراً في كونها طرف مستقل يقوم بإضفاء الثقة والشفافية على الاقتصاد والبيئة الاستثمارية والبنية التحتية، بجانب أن التسهيلات الضريبية، والإعفاءات التي قدمتها هذه المبادرة شجعتها في الإسراع في الاستجابة السريعة.
ختاماً لا يصح إلا الصحيح؛ والحقيقة أن الوضع الطبيعي للمملكة أن تكون مركزاً لجميع المقرات الإقليمية، ولعل «مبادرة جذب المقرات الإقليمية للمملكة»، تتوافق تماماً مع وضعها كأحد أكبر اقتصادات العالم ضمن مجموعة الـ20. وهذا بدروه يسهم في الارتقاء بما تقدمه المملكة من خدمات لجميع المستثمرين محليين أو خارجيين، مما يضع المملكة في مقدمة الدول التي يسهل القيام بالأعمال فيها وهذا يزيد من ثقة المستثمرين في مدى متانة ومرونة واستقرار الاقتصاد السعودي ولله الحمد والفضل والمنة.