على هذا الأساس سآخذ بالحديث حول الكتاب الذي صدر قبل أيام عن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق مايك بومبيو، وتحول إلى حديثٍ عالمي، وهذه على الصعيد الشخصي، أكثر مذكرات قرأتها لمسؤولٍ أمريكي، توحي بأن هدفها غير ربحي، إنما ملامسة المستور والكشف عن الحقائق.
صحيح أنها تحتوي على وجهات نظر لكنها ليست آراء صادرة عن رجل عادي، إذا ما نظرنا للكاتب الذي كان يتبوأ منصب مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية في وقت سبق توليه حقيبة الخارجية الأمريكية. إذن هذا مصدر أهمية، للمعلومات الواردة في تلك الصفحات.
وهناك ما قد يكون مصدراً آخر للأهمية من حيث اختياره الحديث عن ملفاتٍ ساخنة في المنطقة – أي الشرق الأوسط -، وكان على رأسها صراحته حول ملف العلاقات السعودية – الأمريكية؛ التي قال عنها على صفحته في منصة تويتر «الأمريكيون أكثر أمناً، لأننا لم نعتبر السعودية دولةً منبوذة». وقوله أيضاً عن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أنه «رجل إصلاحي. وشخصية تاريخية على المسرح العالمي». ولم يكتفِ بذلك بل وضع على صفحته صورةً تجمعه بالأمير، وكتب «ذكريات جيدة، عمل جيد، قصص جيدة».
وحديث الوزير بومبيو عن السعودية تحديداً ليس من باب النفاق السياسي كما اتهمته وسائل الإعلام الأمريكية المعروف أنها تعيش على الأموال المدفوعة لها من قبل مُتطرفي الأحزاب اليسارية، التي أغاظها بذكرها، ووصف أربابها بـ«الجبناء»، الذين لا يملكون أي صلةٍ بالواقع، إنما من باب أنه السياسي المُدرك لأهمية هذه الدولة في المنطقة الأهم في العالم، من حيث الطاقة، وقبل ذلك تفّهمه للأساسات التاريخية التي تجمع بلاده بالمملكة، باعتبارها أكبر وأقوى دول الاعتدال في المنطقة، وهي التي – أي تلك العلاقة التاريخية - لا يمكن أن تخضع بأي شكل من الأشكال للحزبية أو الانتماء السياسي الذي ينسف كل التحالفات للدولة العميقة الأمريكية.
أتصور أن بومبيو حرص على دخول التاريخ على حساب وضع الأمور في موازينها الحقيقية، التي تقوم على مبدأ الصدق في القول والرأي. لذلك كان منطقياً في كشفه تفاصيل مشاركة بلاده في إنقاذ عناصر الموساد الإسرائيلي، الذين تمكنوا من الاستيلاء على الوثائق السرية الخاصة ببرنامج إيران النووي، العام 2018، في عملية هي الأكبر من نوعها من هذا القبيل.
والأهم من ذلك هو إفصاحه لأول مرة كمسؤولٍ أمريكي رفيع المستوى عن الرؤية التي يقتنع بها العقلاء في واشنطن، حول إرهاب الدولة الإيرانية، وأيديولوجيتها التخريبية في المنطقة، بالإضافة إلى إشارته بأن قادة تنظيم القاعدة يجدون من طهران مرتعاً خصباً لهم، وليس في أفغانستان، كما يرى ويعتقد عديد من أجهزة الاستخبارات العالمية.
وهذا في الحقيقة يكشف أمرين؛ الأول: أن بلاده – أي الولايات المتحدة الأمريكية – كانت تكذب على العالم بأسره، حين رمت بثقلها الاستخباراتي والعسكري، بحثاً عن قيادات تنظيم القاعدة في أفغانستان. والآخر : يشي بأن هناك تواطؤا بين الإدارات الأمريكية السابقة – على الأقل إدارة بوش الابن، وباراك أوباما – وجهاز الاستخبارات الأمريكي «سي آي أيه»، مع الدولة الإيرانية، من خلال توجيه السلاح الأمريكي للأراضي الأفغانية بحثاً عن قيادات التنظيم، في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والحقيقة أن تلك القيادات تقبع في طهران؛ وعلى علمٍ من الطبقة الأعلى من ناحية النفوذ في الولايات المتحدة الأمريكية.
وهذا القول لا يستند على نظرية المؤامرة، بقدر ما يعتمد على ما أعلنه بومبيو، الذي تبوأ منصب مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في مرحلةٍ تاريخية ماضية، وفي ذلك الموقع، لا مجال للمجاملات أو المحاباة أو النفاق، إنما الأمر يقوم على المعلومة، التي تعيش عليها الوكالة بمن فيها من عاملين بمختلف مناصبهم ومواقعهم.
يمكن القول إن الوزير بومبيو أعطى النظرة والرؤية الحقيقية للمسؤول الأمريكي المعتدل حول المنطقة، وهذا يتأكد من خلال رؤيته للمملكة العربية السعودية، ليس من موقع المدافع عن سياسة الرياض، وعبر رأيه ونظرته للجمهورية الإيرانية – وهذا ليس مجالاً للمقارنة – بل ثمة ما يحتمل اعتباره قراءةً لما بين سطور ما تكتنزه ذهنية مسؤولٍ أمريكي مُعتدل.
لا يهمني مايك بومبيو، ولا كتابه، ولا مذكراته، إن كان وزير خارجية أمريكا السابق أو اللاحق. ولا يعني لي الرجل، أكان رئيساً لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أو غفيراً يقف على نافذة إحدى عربات المسؤولين الأمريكيين حاملاً سلاحه لحمايته، أو حماية أحد أبنائه.
المهم بعد كل ذلك، فهم واستيعاب شهادة رجل عاقل، بين جموع من المجانين.
جاء على ذكر الاعتدال، ولاحت صورة السعودية،وهي ليست بحاجة إلى تزكية
لا منه ولا من غيره.
وأبدى تفهماً للإرهاب، وأشار بإصبعه إلى إيران،ولم يقف عند هذا الحد، بل فضحها..
وكشف عن اختراقها. وبأمره، خرج عملاء الموساد من طهران، بعد سلبها أهم معلوماتها،
وربما شرفها. لذا كتبت في العنوان. مذكرات الوزير..و«إخراج الشياطين»..من «جنة الجواسيس».