كانت الأعوام الثلاثة الأولى بعد تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان سدة الحكم، هي أعوام النفاذ من عنق الزجاجة الحرج سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا وثقافيًا واجتماعيًا، والتي شهدت ترتيبًا شاملًا وكاملًا للبيت السعودي من الداخل، بقرارات جريئة حذفت وأضافت وعدلت وحسنت على جودة الحياة في السعودية، ونقلت العمل الحكومي إلى آفاق عالمية لم تدر في خلد أكثر الحالمين خيالًا.

هذا الترتيب شمل حزمة من القرارات الرائدة، وصاحبها إنشاء مجموعة من الوزارات والهيئات، أو تقسيمها وإعادة هيكلتها، أو تغييرها، أو دمجها، وصولًا إلى صيغة تمكن البلد من العبور نحو المستقبل بكل سلاسة وقوة، ولعل من أهم هذه الهيئات الهيئة العامة للترفيه، والتي أنشئت في 7 مايو 2016، وما قبل هذا التاريخ ليس كما بعده، فقد انتقل بها المجتمع السعودي إلى مجتمع طبيعي لا يعيش عقدة الحرام والعيب التي لا أساس لها شرعًا ولا عرفًا ولا عقلًا، وبها عاد المجتمع السعودي إلى طبيعته المتسامحة، عاد إلى مرحلة ما قبل 1979، والتي دخلنا بعدها في غيبوبة قسرية لأكثر من أربعين عامًا، قبل أن تنتشلنا الرؤية الملهمة، وقبل أن نضرب بيد من نور وضياء على كل جوانب التطرف والإرهاب والفساد.

كان أمير الحلم السعودي محمد بن سلمان أشار في يوم تدشينه لرؤية السعودية 2030، في 25 أبريل 2016 إلى تفعيل دور الصناديق الحكومية المختلفة في تأسيس وتطوير المراكز الترفيهية، وتشجيع المستثمرين من داخل المملكة وخارجها، وعقد الشراكات مع شركات الترفيه العالمية، وتخصيص الأراضي لإقامة المشروعات الثقافية والترفيهية، وهو ما كان فجاءت الهيئة العامة للترفيه لتعنى بكل ما يتعلق بنشاط الترفيه في السعودية، ويعتبر إنشاؤها حدثًا مفصليًا غاية في الأهمية، وتجلت هذه الأهمية وتكثفت حينما تولى رئاستها رجل الإنجاز ورجل المهمات المستحيلة معالي المستشار تركي بن عبدالمحسن آل الشيخ في 27 ديسمبر 2018.


عملت الهيئة على تنويع وإثراء التجربة الترفيهية، وتنظيم وتنمية قطاع الترفيه في السعودية، وتوفير خيارات الترفيه لكافة شرائح المجتمع، والتي تتوافق مع المعايير العالمية، وتعزز الروابط الاجتماعية والثقافية، وتدعم الاقتصاد المحلي، وتنوع مصادره وتزيد الناتج المحلي، وترفع نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتوليد الوظائف في قطاع الترفيه.

وفي يناير 2019 أعلن رئيس الهيئة تركي آل الشيخ، إستراتيجية هيئة الترفيه التي تسعى إلى أن تصبح المملكة ضمن أول أربع وجهات ترفيهية في آسيا، وبين أول عشر وجهات ترفيهية في العالم، ودشنت الهيئة العديد من المسابقات والفعاليات المذهلة، والمدهشة، وغير المتوقعة، ناهيك عن برامج الابتعاث الخارجي للتعليم الأكاديمي والتدريب في أعرق جامعات العالم، وفي المدن الترفيهية العالمية، والهيئة كل عام لها شأن مختلف معنا نحن -السعوديين- ومع المقيم الكريم، والزائر المرحب به.

الترفيه في السعودية لم يكن فسادًا ولا إفسادًا، وحينما نتحدث عن الوقوف بوجه الفساد بمفهومه الوطني الذي أسسه خادم الحرمين الشريفين، ثم تولى مهمته وحماه عراب الرؤية الأمير محمد بن سلمان، وليس بمفهومه الإسلاموي والمتمثل بكل ما يتعلق بالمرأة أو الحفلات الموسيقية، فإننا لا بد أن نعلم أن مفهوم مكافحة الفساد قد توسع في الذهنية السعودية ليشمل ما هو أوسع من أي مفهوم سابق للفساد ومكافحته، ليكون الإخلال بالأمانة، أو التراخي والتقاعس عن أداء واجبات العمل، مشمولًا به.

وكذلك فإننا حينما نتكلم عن مكافحة الفساد بمفهومها الوطني، فإننا ولا بد أن نتعرض لمفهومي التطرف والانحلال، وهما مفهومان ومصطلحان بحاجة ماسة إلى إعادة قراءة وتعريف دقيق يمكن المشرع والمنفذ من سن القوانين والأنظمة بناء على تعريفهما بشكل إجرائي وعملي، وليس بشكل نظري يختلف فيه المختلفون بين مشرق ومغرب، وحينما نقول إنه لا بد من إعادة تعريف الانحلال وإعادة تعريف التطرف؛ ليكونا أكثر دقة، وذلك أننا نرى الليبرالي ينعت الإسلامي بالمتطرف، والإسلامي ينعت الليبرالي بالانحلال، بلا زمام ولا خطام، في تهارش مجتمعي نحن في غنى عنه، خصوصًا ونحن مشغولون برؤيتنا وبوطننا عن أي مهاترات تعيدنا إلى المربع الأول مربع فتنة الصحوة في الثمانينيات والتسعينيات، حينما كان يأكل بعضنا البعض إقصاءً وتأثيمًا وتكفيرًا، بعد أن نمى بيننا كالوباء التصنيفات السوداء المفرقة، والتي بدأت بالنعت بالحداثة ثم بالعلمانية ثم بالليبرالية، ناهيك عن دخول التخوين مؤخرًا معركة التصنيفات المشغلة والمعطلة والمرهقة، مع ملاحظة أن التصنيف ليس شرًا كله، فما كان على أساس ودليل قوي وبيد الجهة الرسمية (حماية لهيبة الدولة) فهو نافع وفي محله.

ولو قلنا في أقل من سطرين، إن الانحلال: (هو المجاهرة بالخروج عن أحكام الدين المتفق عليها، والخروج عن مكارم الأخلاق المرعية عرفًا، والخروج عن الذوق العام المقنن)، وحاولنا تعريف التطرف: (بأنه مجاوزة حد الاعتدال في المعتقد والسلوك إلى الغلو والتشدد، ويتمثل في التشدد بنصح الناس، وتكفيرهم أو تكفير تصرفاتهم، والغلظة في الحديث معهم، والعسر في طرح الواجبات الدينية)، فإننا بحاجة إلى لائحة تفسيرية طويلة لشرح ما هو انحلال وما هو تطرف بشكل عملي، ولهذا يجب أن نصنع التعريف المناسب لنا، وفقًا للصحيح من الدين السمح الميسر، ووفقًا لقيمنا ومبادئنا وعاداتنا التي تتوافق مع العقل وروح العصر، مع الحذر من الثغرات التي تضع مجالًا واسعًا للمتطرف والمنحل أن يخدش هذه التعريفات وما يبنى عليه من أنظمة وقوانين، ومن ذلك مثلًا، ما أشار إليه سمو ولي العهد في حديثه لمجلة ذا أتلانتيك، بأن: (قولنا مصطلح «الإسلام المعتدل» ربما يجعل المتطرفين والإرهابيين سعداء، حيث إنها أخبار جيدة لهم إذا استخدمنا ذلك المصطلح. فإذا قلنا «الإسلام المعتدل» فإن ذلك قد يوحي أن السعودية والبلدان الأخرى يقومون بتغيير الإسلام إلى شيءٍ جديد، نحن نرجع إلى تعاليم الإسلام الحقيقية، التي عاش بها الرسول عليه الصلاة والسلام والخلفاء الأربعة الراشدون، حيث كانت مجتمعاتهم منفتحة ومسالمة).

أخيرًا، لا نريد أن يقول المنحل عودوا بنا إلى الإسلام المعتدل، ولا نرغب أن يستغل المتطرف هذا ليقول جاؤوا بدين جديد، يجب أن ننطلق من منطلقات واضحة وضوح عظمة السعودية.