يتجه القارئ عند قراءة العنوان إلى الشحاتين في الشوارع وعند الاشارات، فهذا أول ما يتبادر إلى ذهنه، وهذا صحيح، ولكن أضيف لهم بعض من أنهكتهم تصاريف الحياة، وينطبق عليهم ارحموا عزيز قوم ذل.

وبيجيكم العلم.

أما «شحاتين الشوارع» فالواحد منهم يتفنن في استدرار عطف الناس بشتى الطرق، سواء ادعاء عاهة في جسمه أو في جسم أحد أطفاله، أو قد يحمل جسداً فيه بعض الروح لا ندري من أين تسلط عليه، ليكون أداة شحاتة ووسيلة مبتذلة لجلب المال لمن لا يستحق، مع الأخذ في الاعتبار أن ذلك المال لا نعلم أين يذهب، خاصة أنه بين حين وآخر ترد الأخبار بالقبض على عصابة امتهنت التسول، لجمع المال وإرساله إلى عصابات أو ميليشيات، وكأن المانح ودون قصد، يساعد في استمرار وقوة تلك المكونات الخارجة عن القانون.


لقد أصبح التسول أداة فوق أنها تجمع الأموال لمن لا يستحق، مقلقة ومنكدة على أفراد المجتمع.

يقول صديقي فلان: لا أذكر أنني ذهبت إلى فرح إلا وعند خروجي يتابعني عدة أشخاص وبالحاح لمنحهم المال، بل وعند الأتراح هم كذلك، بل أشد حضوراً وإلحاحاً، لدرجة أنه يطرق نافذة سيارتك وإذا أشرت له بالاعتذار يقف حائلاً بين سيارتك ومواصلة سيرها، وفي هذه الأثناء يأتيك من الجهة الأخرى المتضامن معه، ليطلب منك بعين حمراء، وإن لم تعطه واعتذرت له نظر فيك شذرا ويسلقك بلسانه بكم كلمة يستجير منها «مخاوي إبليس».

والأمَرّ من ذلك - والكلام لصديقي فلان - أنه في المسجد يتسلط عليك بعضهم بعد كل صلاة، ويقف أمامك غير متيح لك الهروب، طالباً ما لذ وطاب من الفلوس، التي هي أصلا أصبحت تتماهى مع الغول والعنقاء والخل الوفي.

ويكمل فلان ويقول، لدرجة أني هجرت الصلاة في المسجد، الذي قرب منزلنا، وذهبت إلى مسجد آخر في نفس الحارة، والمفاجأة بعد الصلاة وجدت نفس الوجوه، وكأنها تقول

«وخالقك ما أفارقك ووين بتروح والحبل مزرور»، فقررت بعدها أن صلاة الجمعة كل مرة أصليها في مسجد مختلف، والحقيقة والكذب خيبة، حصل تغيير، ففي كل جامع أجد وجوهاً مختلفة وأساليبها وأياديها خفيفة اللهم لا حسد.. أهو على الأقل صار تغيير.

وقد تنوعت «الشحاتة» وأصبح كثير منها يمضي مع التقدم، فظهرت بكل أريحية

«الشحاتة» عن بعد، وعلى عينك يا تاجر، سواء في التيك توك أو تويتر، و «محدش واخذ أو مش عاوز حد ياخذ باله فكله عند العرب صابون».

وبمناسبة التقنية وما حدش واخذ باله، يقول فلان الشيء بالشيء يذكر، فبضعة من المؤسسات التي بعض من يعمل فيها يضع رجلا على رجل، وبراد شاي عليك أشكي وشغال على ودنه، مع وسائل التواصل بعيداً عن الاهتمام بحاجات الناس، والمساعدة في حل مشاكلهم والعذر كل شيء ممكن عن بعد.

نعم وأنا أشهد «والكلام يظل لصديقي فلان» أن التطور التقني والاستفادة منه بلغ شأواً عظيماً وذلل كثيرا من المراجعات، ولكن بالمقابل أصبح التمكن والحظ بلقاء أحد الفاعلين في هذه المؤسسة أو تلك، من الأماني والأحلام، ولو فرضاً رد عليك أحدهم لمنحك موعداً بعد أسبوعين أو أكثر قليلاً، هذا إذا كنت سعيد الحظ، ولو ما ناسبك الموعد فالرد إذا مو عاجبك تابع قضيتك عن بعد، وإذا ما تبطل لماضة خلاص جبرنا قفلنا راجع عن بعدين، وتسكت وتقول في نفسك ياكد مالك خلف وما بقي إلا أن أقول لله يا محسنين.

ويضيف صديقي فلان بهذه المناسبة، أحب أن أنوه عن موضوع أسأل الله أن أكون فيه سببا للخير، وبالذات لبعض لاعبي الأندية الذين جاؤوا في الوقت الضايع، والذي لم يسجله الحكم حيث كان التسجيل تقديريا، طبعا تقديره هو مش أنا، وعلى حسب الريح ما تودي الريح، المهم هؤلاء اللاعبون بعضهم حقق مع ناديه بطولات وصولات، ولكن وقت الحاجة لم يجد من يقف معه.

ويكمل فلان لقد اتصل علي أكثر من لاعب من أندية مريشة لا تتكلم إلا بمئات الملايين، وذلك بحكم أني منخرط بعض الشيء في المجال الرياضي «الذي يشوف القبة يحسبها مزار» وطلبات هؤلاء اللاعبين فقط تسديد فاتورة كهرباء أو علاج لأهله أو أحد أبنائه، وكانت المبالغ معظمها بسيطة، ولكن لم يستطيعوا تدبيرها على قلتها، وقد تحققت من صدق أقوالهم، فساعدتهم من عطاء بعض أهل الخير، وبالتأكيد هم لو وجدوا قبولاً من أنديتهم أو سبيلا إليها لما اضطروا إلى مد اليد للغريب، وذلك الحرج.

وما أصعب الحاجة وحتى لو كانت عند ذي مروءة.

تلك الأندية تنفق الملايين لتقوية فرقها وهذا من حقها ومطلوب، ومن أعطاه خالقه لا تخانقه، لكن أقترح عليهم تجنيب نسبة ضئيلة لمساعدة اللاعبين القدامى، الذين أحيانا الألف والألفين تفرق معهم، وليعتبروها من الزكاة أو الصدقة الحسنة، ولتكن هناك شعبة في العلاقات أو المركز الإعلامي، ليتمكن هؤلاء الذين جار عليهم الحال من التواصل وهم عزيزو النفس.

لقد أعطوا في وقت شظف العيش فلا تنسوهم في وقت الرخاء، ولا تضطروهم إلى إراقة ماء وجوههم، ومن قدم خيراً يلقاه يا ولداه.. ولله يا محسنين.