اليوم الثامن الذي أمر به على نفس الأماكن لشراء نفس الحاجيات التي ليست بنفس أسعار نهار أمس، يبتسم لي "جاويد" الذي أراه أكثر من الآخرين كفرض يومي علي تنفيذه، أسأله كما فعلت قبل أيام: "ما الذي حدث أيضاً؟ خبز بريالين؟" يهز رأسه كفنجان بيد بدوي وكأنه يقول: "باللهِ قل لي إنك سترفض شراءه؟ آخر من فعل ذلك مات قبل حرب الخليج حين كانت المشروبات الغازية والتي تعبأ بأكياس نايلون بنصف ريال".
أحشد مشترياتي بالسيارة، أفرد الورقة.."حسناً 3 كيلو لحمة"، وهذا ليس نصاً سمعته بذلك الفيلم بل حقيقة، الجزار الضخم يراهنني على أن هذا الخروف ذبح للتو، وبأني لا أعرف أي طعم سيفوتني، وأنه -أي الذي كان خروفاً- قد جاء من قرية يشبه اسمها مرهماً للعضلات.. على الشارع امرأة منذ ربع ساعة تقف موزعة أكياسها الأربعة بين يديها، كانت تبدو كرمز الميزان الذي يعتلي قاعات المحاكم، أو هكذا خيّل إلي بهذا القيظ الجحيم، توقف لأجلها سائق الأجرة، يبدو أنه هو الآخر انتفخت أسعاره، لم يصلا لحل وسط.. أما أنا فركبت سيارتي، أدرت المكيف الذي أنعم علي بشيء من الظل والبرد.. كنت أرقبها بالمرآة العلوية والرجل الصغير بداخلي يصرخ راقصاً: "هذه من أعظم النعم كونك رجلاً هنا". قبل الإشارة الرابعة يهتز جوالي، رسالة من الرجل الذي أحبه وأشكر الله على معرفتي به: صاحب الإيجار، يذكرني بأن الموعد سيحل بعد أيام، شكرته على تواصله وسؤاله النصف سنوي عني.. أصل للشقة، ألقي التحية بابتسامة خلقتها للتو.. وأحب أن أنوه بهذا الخصوص أنني ومن أعرفهم لا يدخلون بيوتهم ليجدوا عائلاتهم متقابلين على آرائك بالصالة الشاسعة، ضاحكين بلا سبب بينما الأطفال يلعبون بخلفية المشهد ببهجة.. لا، لا يحدث هذا إلا بإعلان مشروب التوت، وبعد التنويه أقول لصاحبي الوفي الذي فاجأني بحضوره هذه الليلة إني سأحول لك مبلغ إيجار الشقة بعد خروجي من هنا.. شكراً للجميع.