عرفت كل قبيلة بجيلها أو جبالها، وحفلت أشعارهم بذكرها، والتغني بها.. وأضيفت أيامهم، ووقائعهم إليها.. فتقنت (طيء) بجبليها (أجأ) (وسلمى)، وعبس، بجبلها (قطن)، وجهيننة برضوى، وتميم باليمامة والعرمة، وهذيل بكبكب، وسليم بشرورى وكل قبيلة بجبالها.... فقل إن يخلو شعرهم من ذكر (ثهلان) والنير وجبلة، وطخفة وشعبى، والهضب، و(خزاز) و(حضن)، وتهلل، والكور، ويذبل، وعماية).. وغيرها من جبال الجزيرة الخالدة. ولربما كانت مواطن «حب، وملاعب صبى، ومدارج عواطف».
يا حبذا جبل الريان، من جبل
وحبذا ساكن الريان، من كانا
وحبذا نفحات من يمانية
تأتيك من قبل (الريان) أحيانًا
ولربما أثارت ذكريات غريب، وحنين ألف، ووجد مشوق:
أحب بلاد الله ما بين منعج
إلى، و(سلمى) أن يصوب سحابها
بلاد بها نيطت على تمائمي
وأول أرض مس جلدي ترابها
وجبل اليمامة هو أشهر جبال الجزيرة العربية، بعد سلسلة جبال السروات وأطولها امتدادًا، وأكثرها سكانًا، وأخصبها وأغناها، وأشهرها تاريخًا وأبعدها ذكرًا.. امتد على سهل يقع ما بين (الدهناء) شرقًا، وعالية نجد او ما يسمى بالدرع العربي غربًا، وما بين الربع الخالي (ونجران) ومنحدرات جبال اليمن جنوبًا، وبين مجتمع رمال (الدهناء) والقصيم والتوترات شمالًا.. فامتداده من الجنوب إلى الشمال حوالي ثمانمائة ميل، ومن الغرب إلى الشرق يتراوح ما بين المائة إلى الخمسين ميلًا، وأعلى قمة فيه تبلغ حوالي ألف وخمسمائة متر.
وإذا استقبلته من جانبه الغربي رأيته منتصبًا سامقًا، تلوح صفحاته البيض، ورعانه الشم، وشماريخه الفارغة.. وتذكرت قول عمرو بن كلثوم:
فأعرضت اليمامة، واشمخرت كأسياف بأيدي مصلينـا
ثم يأخذ في الانحدار التدريجي مشرقًا، حتى يلامس السهول الشرقية.
وبه فجاج متباعدة ما بين كل فج وآخر مسافات متقاربة في القدر، جعلها الله سبلا للمارة، ومنافذ للسيول، وهذا مصداق لقوله تعالى: (وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم، وجعلنا فيها فجاجًا سبلا لعلهم يهتدون).
وهذه الفجاج في هذا الجبل هي كما يلي: من الشمال إلى الجنوب العتك، وثنية الأخيسي، و (لا) و(نساح) و(البرك) و(الهدار) (وتمرة)..
وتنحدر من هذا الجبل أودية عظيمة، تبدأ من قمته من الناحية الغربية، وتذهب مشرقة، مارة ببلدان ونخيل، ومزارع.. حتى تفضى إلى رياض وسهول خصبة التربة، جيدة الإنتاج، واسعة الأرجاء.
وفي هذه الأودية وما تفيض عليه تقع بلدان اليمامة وقراها، وتنتشر نخيلها ومزارعها.. فيه إحدى عشرة مقاطعة.. هي
العارض: وقاعدته الرياض. والخرج: وقاعدته الدلم. ووادي بريك: وقاعدته الحوطة والأفلاج: وقاعدته ليلى والسليل: وقاعدته السليلووادي الدواسر: وقاعدته الخماسين. وضرما: وقاعدتها البلاد. والشعيب: وقاعدته حريملاء. والمحمل: وقاعدته ثادق.. وسدير: وقاعدته المجمعة. والغاط والزلفي: وقاعدته الزلفي.
ولليمامة تاريخ حافل منذ العصور الموغلة في القدم، مكنها من تكوين منها: موقعها الجغرافي المتوسط بين اليمن والعراق من ناحية، وبين الحجاز والبحرين من ناحية أخرى: فهي تعتبر ملتقى القوافل التجارية، ومنتجع قبائل أطراف الجزيرة. خصبها ووفرة إنتاجها، وكثرة مياهها، وجودة نخيلها.
وفي الجاهلية استوطنها من القبائل العربية اكثرها عدداً، واقواهـا شوكة، وأكبرها مكانة.. كقبيلة (تميم)، و(حنيفة) و(قشير)، و(عقيل ). وغيرها من القبائل النابهة الذكر.
واحتفظت اليمامة بمركزها القيادي بعد انكماش ظل الخلافة، ويقول أهل اليمامة: غلبنا أهل الأرض شرقها وغربها بخمس خصال: ليس في الدنيا أحسن ألوانًا من نسائنا، ولا أطيب طعامًا من حنطتنا، ولا أشد حلاوة من تمرنا، ولا أطيب مضغة من لحمنا، ولا أعذب من مائنا.
واشتهر في اليمامة زرقاؤها وعرافها: فاما الزرقاء فهي من جديس مضرب المثل في حدة البصر، سميت الزرقاء الزرقة عينيها، كانت تبصر الشيء من مسيرة ثلاثة أيام، ولها أخبار طوال، كان إذا مر بها سرب الحمام خاطف تابعته ببصرها وأحصته، مهما كان كثيرًا، وأما العراف فهو رباح بن كحيلة اشتهر بطبه، ومعالجته سائر الأمراض.
1966*
* شاعر وصحافي ومؤرخ سعودي «1919 - 2011»