انطلقت إذن مشروعات الصيف في أذهان السعوديين، وباتت خرائطهم واضحة، وحقائبهم معدة للانطلاق في فضاء الله الواسع، سيحلق السعوديون في الأجواء من مدد تبدأ من الساعة والنصف لتصل إلى ما يزيد على عشر ساعات، يبدؤون في الانتشار على مساحات المعمورة بحثا عن صيف فاضل، خاصة أن الواقع الآن يكشف لنا أن السفر في الصيف لم يعد مرتبطا بفئة دون غيرها ولا بطبقة دون طبقة، بل لقد تحول من كونه خيارا ناتجا عن ارتياح وعن فائض ليصبح احتياجا وأولوية باتت تثقل كاهل الكثير من الأسر.
تتحدث البنوك في مثل هذه الفترة من كل عام عن ازدياد في معدل طلبات الحصول على قروض مالية وبخاصة لدى طبقة الموظفين، فيما تشير التقارير إلى أن النساء الموظفات يسجلن نسبة عالية في عمليات الاقتراض الصيفية، مما يعكس الطريقة التي خرج بها السفر صيفا من كونه ترفيها مرتبطا بالفائض ليصبح احتياجا يدفع الناس للاقتراض. وليس من المبالغة القول إن كثيرا من الأسر باتت تشعر بالحرج الاجتماعي حين لا تتمكن من السفر، خاصة في الفترة التي تشهد عودة السياح ومع بداية العودة للعمل والدراسة.
لا أتصور أن أبناء دولة من دول العالم يستمتعون بالسفر ويحرصون عليه كما يفعل السعوديون كل عام، إلى الدرجة التي قد لا يكون معها اختيار وجهة السفر أمرا ملحا، لكنه سفر إلى أي وجهة كانت، ويفاجئك أحيانا في وكالات ومكاتب السفر والسياحة أن كثيرا من السعوديين يدخلون إليها ليسألون عما هو متوفر من إمكانات حجوزات في الطيران وفي الفنادق، إذ لا يسألون عن وجهة واحدة، فهم قادمون لشراء سفر حسب ما هو متوفر من وجهات. نعم يتأثر اختيار الوجهة السياحية الصيفية بالأحداث القائمة الآن في العالم العربي، لكن ليس إلى الدرجة التي يحجم فيها السعوديون عن تلك الأماكن تماما، وما لم تكن تلك الوجهة مقفلة تماما فستظل تشهد تدفقا سعوديا وإن كان محدودا، في العام الماضي لم تكن الأوضاع في مصر أفضل حالا مما هي عليه الآن، لكن التراجع في عدد المسافرين كان في القاهرة فقط، بينما شهدت شرم الشيخ مثلا إقبالا جيدا، وفي بيروت ورغم ما تشهده الآن من أزمات سياسية وأحداث أمنية قد تؤثر على السائح السعودي نوعا ما إلا أنها لن تغيبه تماما.
ما الذي يبحث عنه السعوديون في الصيف؟ في الواقع يبحثون عن قضاء أيام في مجتمع آخر، ومع أن كثيرا منهم لا يتحرك أثناء سفره وفق جدول محدد، وكثير منهم ينامون طيلة النهار، إلا أن متعتهم السياحية تكمن في الحياة المختلفة والشارع المختلف وطريقة الحياة المختلفة أيضا. يتهيأ العالم الآن لاستقبال هؤلاء السياح المحببين إلى كل دول العالم، إنهم قادمون لينعشوا اقتصادا ذابلا وليحركوا ليلا هادئا، وليذرعوا شوارع العواصم والمدن العالمية والعربية حتى آخر قطرة من جيوبهم التي تم ملأها استعدادا للصيف.
إن إحجام السعوديين عن السفر إلى الدول العربية المضطربة هو أفضل عقوبة غير مباشرة يطبقها السائح السعودي على تلك الدول، بل كأن السعوديين يرفعون شعار: المال مقابل الاستقرار. وقد بدأت وسائل الإعلام في كثير من الدول العربية تشير بوضوح إلى حالات إلغاء الحجوزات سواء في الطيران أو الفنادق، وفي لبنان وحدها تجاوزت عمليات الإلغاء حاجز الثلاثين بالمئة، فيما يتوقع أن يتراجع الإقبال السياحي إلى مستوى قياسي، وبكثير من الحسرة يتحدث العاملون في قطاع السياحة في لبنان عن موسم قريب من الفشل. ولذا يجب على كل من يرغب في الاستفادة من الموسم الصيفي أن يهيئ لنا ما نحتاجه من أمن واستقرار وخيارات لا تنتهي، وإلا فسنمنع عنه هذا الغيث السنوي السعودي. أو احتفظوا بمعارككم وضجيجكم وسنحتفظ بأموالنا، يالها من مقايضة جيدة.
إذن على كل دول العالم المستقرة أن تحافظ على استقرارها، وأن تفتح أبوابها لأننا سنفتح جيوبنا، إننا قادمون.