تصدر عدد من الشباب الذين يتميزون بطلاقة اللسان وفصاحة القول وبلاغة التعبير وقوة الخطابة والثبات والاتزان المشهد في الآونة الأخيرة، حيث يتقدمون الصفوف ويتصدرون الجموع في المناسبات والاحتفالات بما فيها احتفالات الزواج، لإلقاء ما يعرف محليا (الجواب)، بأخذ العلم ورده أمام المضيفين أصحاب الحفل، وإعلان ما يعرف بـ(المعونة) وتقديمها، خلاف ما كان عليه الحال سابقا، حيث كانت هذه المهمة حكرا على كبار السن الذين كانت لهم صدارة تقدم الجموع والتحدث باسمها، ولم يكن يسمح لمن هو أصغر سنا بتولي هذه المهمة.

ومثل كثير من المظاهر الاجتماعية المستجدة، وجدت هذه الحالات انقساما بين من يؤيدونها ولا يرون فيها غضاضة، وبين من يرونها طارئة وغريبة وتنطوي على قلة تقدير للكبار الذين يبقون حسب هؤلاء أولى بالتحدث باسم المجموعة وعنها.

وعلى الرغم من أن كبار السن وعلى الأخص مشايخ القبائل وشيوخ الشمل ما زالوا يمسكون بقصب الأفضلية والأولية في تقدم الصفوف والتحدث باسمها وعنها، وذلك في كل مناسبة يحضرونها، إلا مجموعة من الشباب الذين عرفوا بتميزهم بإلقاء الجواب باتوا يحظون بالترشح والتفضيل لتولي هذه المهمة من قبل أقاربهم وأصدقائهم، حيث يتم الاتفاق عليهم بالإجماع والتراضي، على الرغم من وجود من هو أكبر منهم سنا.


واللافت أن كثيرا من هؤلاء الشباب حظوا بكثير من الإعجاب نتيجة ما يمتازون به من ملكات يظهرونها في المناسبات، حتى أنهم حظوا كذلك بإعجاب كثير من كبار السن لتمتعتهم بحسن الإلقاء وحسن الكلام والفصاحة والبلاغة وإجادة التعبير بأساليب فيها من التفرد والجمال شيء كثير.

مكاسب ومواهب

يرى كثيرون أن تميز هؤلاء الشباب جاء لأنهم وهبوا موهبة فطرية لي حسن الإلقاء وثبات الصياغة وكفاءة مواجهة الجماهير، وتطورت لدى كثيرين منهم عبر مرافقته لآبائهم أو أخوتهم الكبار وحضورهم مناسبات كثيرة تطورت خلالها ملكاتهم وقدراتهم

في الفصاحة والطلاقة، وأضافوا لها كل ما هو مناسب وجميل من زخرف القول وقوة تعبيره.

تأييد وهبات

يحظى تصدر الشباب للمشهد في المناسبات الاجتماعية بتشجيع كثيرين يرون أن عددا من كبار السن ممن كانوا يتولون المهمة باتت كفاءتهم في الحديث تخونهم، وتنتاب بعضهم نوبات من السهو والنسيان، وهذا قد يعرضهم ومجموعتهم التي يتحدثون باسمها إلى الإحراج أمام الجموع.

ويقول المعلم حسين مهدي آل عقيل من إدارة التوجيه والإرشاد في تعليم منطقة نجران «لست مع أو ضد تقدم صغار السن أثناء أخذ العلم والخبر في مختلف المناسبات، فالحكمة والموهبة وطلاقة اللسان هبة من الله سبحانه وتعالى، ولكن يجب أن يؤخذ في الحسبان إجلال الكبير واحترامه ومنحه حقه في التقدم، ولا يمكن تجاوزه في معظم الأحوال، إلا أن يكون هناك سبب مقنع يسمح بتقدم صغير السن عليه، أما ما عدا ذلك فهو تعد على كبار السن، وتجاوز على مكانتهم الاجتماعية في المقام الأول».

وأضاف «للأسف، هناك صغار في السن لا يحترمون الكبير، ولا يجلونه، ويتقدمون عليه دون سابق إنذار، ويحرضهم لذلك في المقام الأول الشهرة وحب التصوير لانتشار مقاطعهم في مختلف التواصل الاجتماعي، وليس بهدف خدمة كبار السن أو بسبب طلاقة اللسان أو ما شابه».

وتابع «كما أنني ضد ما يقوم به صغار السن من إلقاء وتحدث وعلم وجواب يستغرقون فيه وقتاً طويلاً وهم يتحدثون في مختلف المناسبات، وخاصة الأعراس، فيما عباد الله يقفون أمامهم لوقت طويل، وهذا مرهق ومزعج، رغم أنه كان بالإمكان اختصار كل ذلك في كلمات مختصرة تفي بالغرض والموقف».

السير على نهج الأجداد

يؤكد الرائد عبدالله محمد آل داشل على انتشار هذه الظاهرة في بعض الأماكن، ويؤكد «بالفعل لاحظنا جميعا هذا الأمر، وقد شاهدنا واستمعنا لعدد من الشباب صغار السن طليقي اللسان ممن يتميزون باللباقة والفصاحة ومعسول النطق وهم يتصدرون مشاهد المناسبات، ويكسبون إعجاب كثيرين، سائرين فيها على نهج من سبقوهم من آبائهم وأجدادهم وأخوالهم الذين شُهد لهم بالتميز في هذا المجال».

ويقول «أنا مع تقدم كبير السن للجموع إن كان متحدثا جيدا وطليق اللسان، فهو الأحق والأجدر، أما إذا كان غير ذلك، وقد أجمع البقية على اختيار من هو مشهود له بالرزانة والحكمة والمنطوق ورضوا به فلا بأس في ذلك، بل وأشجع عليه».

القانون يحكم

يرى مدير الثقافة والفنون في منطقة نجران علي آل كزمان أن الأعراف المجتمعية بمثابة قوانين ملزمة، وقال «نعتز بتقاليدنا وعاداتنا التي كانت بمثابة قوانين تحكم المجتمع، ومن ضمن تلك العادات الجميلة توقير الكبير واحترامه وطاعته، فكبير العائلة أو القبيلة هو القائد والحكيم العارف والمتكلم نيابة عن الجميع في المناسبات الاجتماعية المتعددة، وفي العرف لا يتقدمه أحد ولا يأخذ مكانه أحد ما دام يستطيع أن يقوم بتلك المهام ويتولاها بكفاءة، وهناك من يقدم شخصا أصغر سنا يمتاز أيضا بالفصاحة والمعرفة، ولكن من وجهة نظري الخاصة أرى أن كبير السن له مقامه الخاص وتقديره، كما أنه يحظى بحفاوة لدى الجميع قد لا يحظى بها صغير السن».

وأضاف «تقديم الكبير يعد في حد ذاته تقديرا للآخرين في الجانب المقابل أيّا كانت المناسبة، فكثيرا ما يعد أهل المناسبة أن تقديم الأصغر سنا مهما حمل من صفات في وجود كبير السن منقصة أو عدم تقدير».

السحر الحلال

في المقابل، يرى الشاعر سالم آل بكري وهو أحد الشباب المشهود لهم بإلقاء الجواب وطلاقة اللسان خلال المناسبات، وكثيرا ما يتقدم الجموع فيها، أن تقدم صغار السن للصفوف وتحدثهم نيابة عنها ليس وليد اليوم، ويقول «ذُكر في كتب التاريخ كثير من قصص تولي الصغار للمشهد وتحدثهم بأسماء الجموع، قصص مشابهة، منها أن غلاماً قدم مع وفد أهل الحجاز للخليفة عمر بن عبدالعزيز فتقدمهم للكلام، فقال عمر: يا غلام، ليتكلم من هو أسنّ منك، فرد الغلام قائلا: يا أمير المؤمنين، إنما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه، فإذا منح الله عبده لسانا لافظا وقلبا حافظا فقد أجاد له الاختيار، ولو أن الأمور بالسن لكان ها هنا من هو أحق بمجلسك منك، فقال عمر: صدقت، تكلم، فهذا السحر الحلال».

وتابع «كبار السن لهم الحق وهم من يفسحون المجال لمن يرون أنه يمتلك طلاقة اللسان وسرعة البديهة، والبعض الآخر يفسح المجال للشباب لتدريبهم وتجهيزهم، فكبار السن هم من سمحوا بذلك، ويجب ألا يتقدمهم أحد من الشباب إلا باختيارهم ورضاهم، ولا يتقدم الشاب إلا بعد الأخذ بخاطر الجميع، وهذا الأصل في أن الشاب لا يبرز إلا برضى من هم أكبر منه».

وختم بهذه الأبيات:

حنا تربينا على الي عهدناه *** يكبر كبير السن مايرخصونه

والي يجمل في علومه ومبداه *** يزيد فــي الشيبان ويقدمونه.

شرط الرغبة

يؤيد منصور بن مصلح آل غفينة ‏تصدر الشباب للمشهد، ويقول: «لاحظنا في الآونة الأخيرة أن هناك شبابا صغارا يتقدمون كبارهم في المناسبات فيلقون الجواب ويأخذون العلم، سواء مضيفين أو ضيوفا، وذلك لطلاقة لسانهم وفصاحتهم، ولم يعد الأمر مثل سابق العهد عندما كان الكبار هم من يتقدمون، وأنا بدوري أميل إلى ذلك، ما دام يأتي بناء على رغبة الكبار وبتوجيه منهم، وبرغبتهم وموافقتهم، حيث هناك عدد من شبابنا يتميزون بهذه المهمة التي أراها صعبة على كثيرين».

السوشال ميديا

يميز علي مهدي الكستبان بين الجواب وأخذ العلم، ويجيز للشباب التقدم في الجواب، على أن يبقى أخذ العلم حصرا على كبار السن خصوصا أنه يتطلب الحنكة والتجربة وتبادل الأدلة والأقوال، وقال «أنا مع الشباب في الجواب، أما في المشورة وأخذ العلم الصائب فكبير السن أدرى وأعلم بإدارة الأمور، لأن صغير السن قد يجهل كثيرا من الاعتبارات لقلة التجربة أو للطيش ولصغر السن».

ويفسر «من حيث الجواب قد يتعرض كبير السن للنسيان، وقد يخونه التعبير لتقدمه في العمر وضعف ذاكرته، وهذا قد يعرضه ومن معه للإحراج، خصوصا ونحن في زمن السوشل ميديا فالجميع بيده جواله والبعض الآخر بيده الكاميرا فيكون الحدث مصورا وموثقا، ويتم التداول بشكل سريع، وخطأ الكبير ليس كخطأ الصغير، ولكي لا يقع كبار القوم في مثل هذا، فأنا أرى أن توكل المهمه في إلقاء الجواب لمن هو أهل له من الشباب المشهود لهم بالفصاحة والبلاغة والقيام بالمهمة على أكمل وجه».