يتحول صيف – الجنوبي – وخصوصا ساكن القطاع الجبلي إلى رتبة عسكرية. يتحول نظام حياته ومجتمعه إلى فترة تجنيد مكثفة. موسم الإجازة بالنسبة للجبلي هي فترة من شد الأعصاب. ينتهي المساء وقد وصلت أعصاب ساقه وربلتها إلى الفخذ وينهض في تباشير الفجر وقد وصلت أعصاب رقبته إلى نهاية العمود الفقري. وبدلاً من مصطلحات الاسترخاء والاستجمام و(تغيير الجو) التي ترادف مواسم الإجازة للمخلوق الطبيعي من كل كائنات الله عز وجل، يفتح الجبلي الجنوبي قاموسه اللغوي ليذاكر من جديد مفردات (المنقود) و(الشرهة) إن هو تقاعس عن أداء واجب لمسافر عائد أو حتى غابت أسنانه عن ابتسامة مصنوعة في مناسبة اجتماعية. يزدحم جدول الجنوبي الجبلي في الصيف بما يبدو معه جدول المندوب الأممي (كوفي عنان) مجرد مزحة أو نزهة. وعلى الأقل فإن السيد كوفي يذرع مدن الأرض في طائرة خاصة ويغير الوجوه التي يريد مشاهدتها بخياراته الواسعة إلى أين يذهب. أما الجنوبي الجبلي فهو يشاهد ذات الوجوه لثلاثة أشهر بلياليها المتواصلة وكل ما في الأمر هو مجرد تغيير اسم المناسبة. في جدول الجبلي الجنوبي درازن من مناسبات الزواج وفي دفتر دماغه الكمبيوتري مثلها من مواعيد الضيافة للأقارب والأصدقاء والجماعة القادمين إلى الأطراف من المركز وكلهم يتذمرون منه لأنهم يقعون في براثن عقله المحنط وهو يشغلهم سنويا بهذه التراحيب العقيمة. كلهم يتذمرون من كرمه الزائد عن الحد وكلهم يهربون منه وكأنه – عسكري – يطارد فئة ضالة. في جدول الجنوبي الجبلي الصيفي، بل قل في رأسه عيون إضافية لكل ما يتطلبه موسمه المزدحم: عين على – المجلبة – وأخرى على صالات الأفراح وثالثة على صالة المطار ومواعيد الوصول ورابعة على مناسبات الجماعة وخامسة وعاشرة على – المنقود والشرهة – إن غمضت له عين أو غفا له جفن. الجبلي الجنوبي هو الوحيد الذي لم يستوعب بعد نواميس الزمن: ما زال يذاكر قانون العيب بينما الأجيال من غيره تعيش ما بعد الحداثة. ما زال يظن أن (المجلبة هي الحل) بينما الأجيال تفضل نقانق الهمبورجر. ما زال يطارد فرائسه وهي تهرب منه وعندما تدخل بيته يقولون له همسا (الله يشغلك).