أول ما قابلت ما يسمى بملخصات الكتب كان في المرحلة الجامعية، حين اكتشفت أن البعض كان يستخدمها لكتابة تقريرعن مسرحية أو قصيدة أو مرحلة معنية من تاريخ الأدب الإنجليزي، بل كان هنالك من يستعيض بها عن قراءة العمل الأدبي والاعتماد كليا على هذه الملخصات، وفوق ذلك كان البعض يقوم بحفظ مقاطع كاملة ليزين بها ورقة الإجابة فتحول تلك الأوراق إلى ولائم دسمة قابلة للهضم، وللأسف كان التصحيح وقتها يعتمد على غزراة الكلمات والمعلومات التي رصّت على أوراق الإجابة لا النوعية أو الإبداع، مما تسبب للكثير ممن لم يكن يستخدم هذه الطرق في الإحباط، ربما لكره الحفظ، أو ربما لعشق القراءة. كان يفضل البعض قراءة كل عمل أدبي من الجلدة إلى الجلدة بفهم وتحليل مبني على خبرات شخصية ومعلومات متراكمة تساهم في تمهيد أرضية خصبة لنثر بذور الإبداع، وهذا بالطبع أدى إلى أن يتخرج الكثير بمعلومات سطحية.

وعندما دخلت السلك التعليمي طلب منا فوق أعمالنا من تحضير دروس واختبارات دورية وتصحيح وأخرى إدارية وإشرافية، أن نجهز للطالبات مع نهاية كل ترم دارسي ملخصات لموادنا، الأمر الذي جعل الطالبات يعتمدن على هذه الملخصات وعدم الاهتمام بالشرح لبقية العام الدراسي، هنا تقدمنا بشكوى للإدارة مرفقة بالأدلة على تدني مستوى الطالبات العلمي، عندها أوقفت هذه الملخصات ولكن الذي جرى أن بعض الطلبات وأولياء أمورهن لم يعجبهم الأمر ولجأن إلى ملخصات معلمات من مدارس أخرى، حتى إن الطالبة كانت تجمع عدة ملخصات لكل مادة، مما ساهم في التشتت وضياع وهدر الكثير من عملنا طوال العام الدراسي.

إن الكثير من طلابنا وطالباتنا في التعليم العام وألياء أمورهم، يتخلون عن الكتاب المدرسي ويركزون على عدد من الصفحات تحتوي على معلومات بسيطة من منهج كامل، وهذه الظاهرة ليست وليدة اليوم بل هي منذ زمن بعيد، تغيرت المناهج وتغير الكثير من الكادر التعليمي ودخل صفوف التعليم طلبة وتخرج آخرون، ولم نعرف كيف نقضي على هذه الظاهرة!

نشتكي كتربويين من المنتج الذي يتم إدخاله في التعليم العالي كل عام، وتعلو أصوات بعض المنتمين للهيئة التعليمية في المدارس متحدثة عن عملية قتل للعملية التعليمية عن سبق إصرار وترصد، ولكن على ما يبدو لا تجد أصداء بدليل أن كل عام تتم نفس العملية بل يدخل إليها سبل حديثة للتوزيع، فبتنا نرى أن الكثير من المنتديات التربوية والاجتماعية وحتى الترفيهية على الإنترنت تقدم هذه الملخصات كخدمة!

لو تم الأمر عن طريق الطالب نفسه، بأن يتابع المنهج منذ بداية العام، ومن ثم يقوم باستنتاج النقاط المهمة، وجمع الأفكار الهامة، والقيام بالمقارنة والتحليل، لما اعترض أحد بل سوف يشجع هذا الأمر، ولكن حين يتم من بعض أعضاء هيئة التعليم أو بعض الطلبة والطالبات المتميزين، ومن ثم يتم تعميم هذه الأعمال على الغير فإننا بذلك نغتال التعليم، ونعرقل أهم أهداف العملية التعليمية؛ إنتاج طلبة وطالبات بقدرات ومهارات بحثية تمكنهم من متابعة التعليم العالي.

إننا ندفعهم بذلك على الاعتماد والاتكالية، إننا نقيد الإبداع، بل إننا نختزل العملية التعليمية في عدة صفحات يتم حفظها، ومن ثم نسيانها مع انتهاء الاختبار، والدليل على سبيل المثال لا الحصر، الكثير من أساتذة التعليم العالي يجدون أن الطلاب يقدمون أبحاثا عبارة عن قص ولصق، وبعدها اعتراض على الدرجة وكأن ما قدم هو من جهدهم الشخصي في البحث والتوثيق! نعم قد ينجح من يستخدم تلك الملخصات ولكن ما الثمن؟ نسب متدنية وفكر أجوف قابل لأخذ كل ما يقدم له دون تحليل أو نقاش، جيل يستولي على أعمال غيره ويقدمها وهو جاهل في كثير من الأحيان أن ما يقوم به يعتبر تعديا على أعمال الغير، لا بل أكثر من ذلك، سرقة علمية! ثم إن الأمر لا يتعلق بمستقبل الطالب فقط بل مستقبل وطن بأكمله، كل عام يخرج إلينا جيل نسبة كبيرة منه اتكالية، يتوقع أن يقدم له كل شيء على شكل كبسولات يبتعلها مع كأس ماء، وهذا الكأس سوف يكون غرقه وغرقنا معه!

كيف نوقف تجار العقول من كتابة أو تصوير وتوزيع هذه الملخصات وهي تدر عليهم أرباحا موسمية تقدر بمبالغ مغرية؟! والكثير ممن يعمل في هذه المكتبات أو محلات التصوير لا يعلم أصلا ما تحتوي هذه الوريقات، هذا إن كانوا يتحدثون باللغة العربية أصلا، إن الأمر بالنسبة لهم عمل وأجر لا أكثر ولا أقل، وأجيالنا تُطرح وتُجر بأقل وأكثر من ذلك! كيف نقنع أولياء الأمور بخطورة ما يفعلونه، كيف نتعامل مع معلمين ومعلمات يستسهلون هذا الطريق لضعف في إمكانتهم أو مهاراتهم التعليمية؟

إن تمكننا من اختراق ثقافة مجتمع وعملنا على إعادة برمجة الكثير من المفاهيم منها الرسوب والنجاح، إن عملنا على بناء اختبارات تعتمد على الفهم والتحليل والتركيب والإبداع، وإن خرجنا بحزمة من العقوبات لكل من يقوم على بناء هذه الملخصات أو نشرها، ومتابعة ذلك بحزم، قد نستطيع، إن ثابرنا دون كلل أو ملل، أن نخفف من أثر هذه الظاهرة.. نعم قد لا نستطيع القضاء عليها، طالما أن هنالك من يعتبرها مصدر رزق أو غطاء لفشل مهني أو قشة إنقاذ يتعلق بها من أجل النجاح، ولكن أي شيء أفضل من اتخاذ موقف سلبي.. نقرأ عن الظاهرة كل فصل دراسي من قبل كتابنا، نشاركهم الرؤى، ثم نقلب الصفحة ولا نفعل شيئا!