كل من القرآن والحديث يمشي في نسق واحد، يقوم على تدريب النفس الشاق، في مواجهة المشاكل والأخطاء، أن لا نتوجه باللوم لأحد أو على أحد، لأنه تعطيل للجهد، وإضاعة للوقت، وتوجه في غير المسار الصحيح، ومن أجمل الأحاديث التي تلقي الضوء على هذا المفهوم، ما جاء في هذا الحديث القدسي:
يا عبادي: إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا.
يا عبادي: كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم.
يا عبادي: كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم.
يا عبادي: كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم.
يا عبادي: إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا. فاستغفروني أغفر لكم.
ياعبادي: إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني.
يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا.
يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا.
يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر.
يا عبادي: إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله عزّ وجلّ ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه.
كان أبو إدريس الخولاني إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه.
وأهمية هذا الحديث هو أن يتعلم الإنسان في حياته قاعدة صارمة هي ألا يلوم أحدا مهما حدث معه من مشاكل. ليس لأن الآخرين لا دخل لهم فيما يقع علينا من أضرار وإصابات، بل لأن التفكير بهذا الاتجاه غير مجد. وعندما نلقي باللوم على الآخرين نرتاح، ولكنه خيار يبعدنا عن حل المشكلة تماما؛ فطالما لم يراجع الإنسان نفسه فيما يحدث له، لا يقوم بإجراء التصحيح على ما وقع، وهي مشكلة العرب السياسية اليوم؛ فهم يلقون باللوم على أمريكا وإسرائيل في مشاكلهم حتى لو اختلف الرجل مع زوجته في البيت. ونحن متأكدون أن الخلافات العائلية لا تخلقها أمريكا وإسرائيل بل هي من صنع أيدينا "قل هو من عند أنفسكم".
إن إلقاء اللوم على الآخرين يخلق عندنا آلية خاطئة تماما بحرمان أنفسنا من تشكيل حاسة النقد الذاتي. وبدون هذه الحاسة لا نرى أخطاءنا.
وإذا كان الله قد أعطانا عيونا لنبصر بها؛ فعين النقد تكشف طريقنا الذي نمشي فيه؛ فنتفادى الوقوع مجددا في الأخطاء، أما الحرمان من عين النقد فإننا نتحول إلى عمي فلا نبصر كما يقول القرآن لهم أعين لايبصرون بها.
إنها أحاديث حيوية يجب جمعها في كراسات، وكتابتها وتعليقها أمام أعيننا، حتى تنغرس في اللاوعي فتفرز السلوك القويم.