ركزت شركة "جنرال إلكتريك للطيران" توجهاتها طيلة العام الماضي لوضع خارطة طريقٍ تُعد الأكثر شمولاً في مجال التطوير التكنولوجي بتاريخ الشركة الذي يمتد لأكثر من 100 عام، إذ ستقوم الشركة بالعديد من الاختبارات الأرضية والجوية المقرر تنفيذها في هذا العقد، بهدف ابتكار تقنيات جديدة ليتم تطبيقها على الجيل القادم من محركات الطائرات التجارية، التي من المقرر أن تدخل حيز الخدمة مع بداية النصف الأول من عام 2030.



ومن بين التقنيات التي سيجري تجريبها على منصات الاختبار خلال السنوات القادمة في مجال الهندسة المتطورة للمحركات، نذكر المحرك الدوار المفتوح المعروف بـ open fan، وأنظمة الدفع الكهربائية الهجينة، والتصاميم الجديدة لنوى المحركات المدمجة. ومن المقرر أن تتربع جميع هذه التقنيات قائمة البرامج المرتقبة في عام 2022 وما بعده.


كما تعمل "جنرال إلكتريك"، إلى جانب تطوير هذه التقنيات التي تُعنى بتحقيق جاهزية الطيران، والمنتجات الجديدة، على دعم الجهود المبذولة لزيادة استخدام أنواع وقود بديلة وتوفير مصادرها، مثل وقود الطيران المستدام (SAF) والهيدروجين.

وتلعب كل من التقنيات الثورية، وأنواع الوقود البديلة، أدواراً حاسمة في تلبية الهدف المناخي طويل الأمد لقطاع الطيران والمتمثل في تحقيق صافي انبعاثات صفري من الرحلات التجارية بحلول عام 2050.

وفيما يلي نستعرض أفضل ابتكارات "جنرال إلكتريك" وجهودها الرائدة في مجال صناعة محركات الطائرات، التي ستكون حاضرة في مسيرتها نحو صافي الانبعاثات الصفري.

المحرك الدوار المفتوح (Open Fan) وبرنامج "سي إف إم رايز" (برنامج الابتكار الثوري للمحركات المستدامة لشركة سي إف إم)



إجابةً على السؤال الموجه لكبير مهندسي "جنرال إلكتريك" كريس لورانس، حول البدء باعتماد المحرك الدوار المفتوح. (لماذا الآن)؟ يبين السبب وراء اعتقاده هذا، بأنه ومنذ إطلاق "جنرال إلكتريك" لهذا المحرك الذي يعتمد تقنية المروحة غير الموصلة (التوربوفان فائق الالتفافية) لأول مرة في ثمانينيات القرن الماضي، أصبح تصميم المحرك الدوار المفتوح يتّسم بالبساطة وخفة الوزن بشكل أكبر، ولا سيما مع اعتماد طرق حديثة في التصنيع مثل شفرات المروحة الدوارة أحادية المرحلة، المصنوعة من ألياف الكربون، وشفرات التوجيه الخارجية الثابتة. ويسهب في الشرح عن رأيه بالمحرك الدوار المفتوح.

يُعد تصميم المحرك الدوار المفتوح أحد التصاميم المتقدمة لهياكل المحركات التي يجري تطويرها واختبارها من قبل شركة "سي إف إم انترناشيونال"، وهي شركة مشتركة مناصفةً بين "جنرال إلكتريك" ومجموعة "سافران" لمحركات الطائرات، في إطار برنامج "سي إف إم رايز". وقد اجتمعت الشركتان في يونيو 2021 لإطلاق برنامج "رايز" (RISE)، الذي يهدف إلى تخفيض استهلاك الوقود بنسبة تزيد عن 20%، وتقليل انبعاثات ثنائي أكسيد الكربون، مقارنة بأكثر المحركات كفاءة اليوم. وستكون التقنيات التي يجري العمل على تطويرها واختبارها كجزء من برنامج "رايز" بمنزلة حجر الأساس للجيل القادم من محركات "سي إف إم"، التي من المتوقع أن تكون جاهزة للطيران بحلول منتصف العقد القادم. ويتمحور البرنامج حول تطبيق أحدث التقنيات لتطوير محركات ذات كفاءة عالية في الدفع.

المحركات الكهربائية الهجينة: تقنية متأصّلة في "جنرال إلكتريك"

قبل إعلان وكالة ناسا عن اختيارها لشركة "جنرال إلكتريك" في سبتمبر 2021، لإطلاق برنامجها لاختبار مجموعة دفع كهربائية خاصة بالطائرات (EPFD)، كانت "جنرال إلكتريك" تعمل سابقاً على تطوير اعتماد الطاقة الكهربائية في أنظمة الطائرات، ومحركاتها لأكثر من عقد من الزمان. وعكف مهندسو الشركة طوال تلك الفترة على اختبار وتجهيز العناصر المكونة لنظام كهربائي هجين، مثل أنظمة المحركات والمولدات ومحولات الطاقة.

واليوم ستتبنّى الشركة المتخصصة بتصنيع المحركات النفاثة وأنظمة الطائرات، ما تعلمته في مختبراتها عن صناعة منظومة الدفع الكهربائية المتكاملة، وستعمل على تجهيزها للاختبارات الأرضية والجوية المقرر تنفيذها في منتصف هذا العقد.

ومن خلال برنامجها مع وكالة ناسا الذي تبلغ تكلفته الإجمالية 260 مليون دولار، ستعمل "جنرال إلكتريك" على اختبار وتجهيز مجموعة دفع كهربائية هجينة من فئة الميغاواط، للتأكيد على جاهزيتها وتوافقها مع الطائرات أحادية الممر، باستخدام نسخة معدلة من الطائرة الاختبارية "بوينج 340" من شركة ساب، ومحركات CT7-9B التوربينية من شركة "جنرال إلكتريك" التي دخلت في شراكة مع "بوينج" التي ستدعم اختبارات الطيران للبرنامج، كما اختارت شركة "بي أيه إي سيستمز" لتصميم واختبار وتزويد عناصر إدارة الطاقة.

ترتكز جهود التحول إلى اعتماد الطاقة الكهربائية في محركات الطائرات، على القدرات المتوفرة لدى "جنرال إلكتريك" من مؤسسات الطيران والطاقة والبحوث. كان توماس إديسون، المؤسس المشارك لشركة "جنرال إلكتريك"، قد أسس أول شبكة كهربائية في عام 1882، واليوم، باتت معدات الطاقة من "جنرال إلكتريك" تولد ثلث الكهرباء في العالم.

محركات ذات نواة أصغر، وكفاءة أكبر



إضافة إلى تقنية "نواة المحرك المدمجة" التي تجري تجربتها في برنامج "سي إف إم رايز"، تم الإعلان في أواخر عام 2021 عن برنامج آخر تبلغ قيمته ملايين الدولارات مع وكالة ناسا، تم فيه منح "جنرال إلكتريك" عقوداً لاختبار وتجهيز تصاميم جديدة لنوى المحركات النفاثة، مثل تقنيات الضاغط، وأنظمة الاحتراق، والتوربينات عالية الضغط، لتحسين الكفاءة الحرارية. ويعد التطوير المستمر للمواد التركيبية المصنوعة من السيراميك، وهي مواد متقدمة مقاومة للحرارة، جزءاً رئيسياً من الجهود المبذولة لتحسين كفاءة الوقود، مما يؤدي إلى تقليل الانبعاثات. وتتوقع "جنرال إلكتريك" أن تسفر هذه الجهود عن بدء اختبار أرضي لهذه المواد في وقت لاحق من هذا العقد.

سابقة أخرى في مجال وقود الطيران المستدام (SAF)

قامت شركة "يونايتد إيرلاينز" في 1 ديسمبر، بتسيير أول رحلة ركاب يتم فيها تشغيل أحد محركيها "CFM LEAP-1B" باستخدام وقود الطيران المستدام فقط. وفي حديثه عن الرحلة التي حملت على متنها 100 مسافر من شيكاغو إلى واشنطن العاصمة، يقول جورهان أنداك، رئيس قسم هندسة الوقود في "جنرال إلكتريك": "كانت الرحلة التاريخية على قدر كبير من الأهمية في دعم الجهود الساعية إلى زيادة نسبة وقود الطائرات المستدام SAF، بما يزيد عن حد المزج الحالي البالغ 50%".

يعتمد الاستخدام الحالي للوقود المستدام للطائرات SAF، على مزجه مع الوقود البترولي (Jet A أو Jet A-1) بنسبة لا تتجاوز 50%. يشار إلى أن أنداك قد ترأس فريق عمل دولياً، لتطوير مواصفات صناعية موحدة تدعم اعتماد SAF بنسبة 100%، يتم استخدامه دون مزجه مع أي وقود تقليدي للطائرات.

ويتابع "أنداك": "في الماضي كانت هناك رحلات أخرى تستخدم 100% من وقود الطائرات المستدام SAF، بعضها يعتمد محركات ’جنرال إلكتريك‘ وبعضٌ آخر محركات ’سي إف إم‘، إلا إننا في هذه الرحلة استطعنا مزج نوعين مختلفين معاً من وقود الطائرات المستدام، للتوصل إلى وقود يمكن توفيره لكل الأسطول، ويتوافق بالكامل مع البنية التحتية للطائرات. وقد علمتنا هذه الرحلة، أنه يمكننا بالفعل مزج نوعين متميزين من وقود الطائرات المستدام، للحصول على طائرة نفاثة اصطناعية مستدامة تعمل على هذا النوع من الوقود المباشر لتكون بديلاً عن الطائرة التقليدية Jet A".

الوقود المباشر يعني أننا لسنا بحاجة إلى إجراء أي نوع من التغييرات في المحرك أو البنية التحتية للطائرة كي تتمكن من استخدامه، ويمكن استخدامه في معدات الطيران اليوم.

وتحتفظ "جنرال إلكتريك" في جعبتها بالعديد من الخطط الجاهزة لمزيد من الرحلات التجريبية التي تعتمد وقود الطائرات المستدام بنسبة 100%، في عام 2022 وما بعده، ومن بينها البرامج التي تم الإعلان عنها في معرض دبي للطيران الأخير مع طيران الإمارات والاتحاد للطيران. ومع نهاية عام 2022، أكملت "جنرال إلكتريك" اختباراً أرضياً ناجحاً لمحرك طيران الرحلات التجارية طويلة المدى "باسبورت" باستخدام وقود الطائرات المستدام بنسبة 100%. يمكن أن يعمل محرك "باسبورت" على وقود الطائرات المستدام المعتمد اليوم، حيث يُظهر الاختبار الأخير قدرة المحرك على العمل بنسبة 100% على هذا الوقود.

لقد بات من الواضح أنه من الممكن، اليوم ومستقبلاً، لجميع محركات "جنرال إلكتريك"، و"سي إف إم إنترناشيونال"، أن تعمل بوقود الطائرات المستدام الذي تم اعتماده ويجري إنتاجه من المواد الأولية والعمليات البديلة، مما يقلل انبعاثات الكربون في دورة الحياة مقارنة بالوقود البترولي.

منظومات احتراق هيدروجين رائدة

سيستفيد التعاون الذي تم الإعلان عنه في فبراير 2022، بين "سي إف إم" و"إيرباص" على برنامج لاختبار الهيدروجين، في بعض جوانبه من تجربة "جنرال إلكتريك" مع وقود الهيدروجين في توربينات الطاقة الغازية الأرضية، إذ تمتلك "جنرال إلكتريك" ما يزيد عن 8 ملايين ساعة تشغيل بمزيج وقود الهيدروجين، بما في ذلك محركات التوربينات الهوائية.

في إطار الخطط المستقبلية لإجراء اختبار جوي على محرك الاحتراق الهيدروجيني في منتصف هذا العقد، يتعاون برنامجا "سي إف إم رايز"، و "إيرباص زيرو إي"، على إجراء اختبارات أرضية وجوية لمحرك احتراق مباشر يعمل بالهيدروجين استعداداً لدخول طائرة عديمة الانبعاثات إلى الخدمة بحلول عام 2035.

تسعى "سي إف إم" إلى تعديل كل من أنظمة الاحتراق، والوقود، والتحكم، في محرك "جنرال إلكتريك" المروحي "باسبورت" ليعمل على الهيدروجين. وقد وقع الاختيار على هذا المحرك بسبب حجمه وتجهيزاته التوربينية المتطورة ومواصفاته المميزة في سحب الوقود، ليتم تثبيته على طول جسم طائرة الاختبار الخلفي، بما يتيح مراقبة انبعاثات المحرك والنفاث، بشكل منفصل عن انبعاثات المحركات التي تشغل الطائرة. هذا وستقوم "سي إف إم" بتنفيذ برنامج اختبار أرضي دقيق قبل اختبار الطيران على طائرة إيرباص A380.

من جانبه، قال محمد علي، نائب الرئيس والمدير العام للخدمات الهندسية في "جنرال إلكتريك للطيران": "سنقوم بتجربة إقلاع طائرة بمحرك معدل في خطوة للتأكيد على إمكانية تحقيق المستحيل، وجدوى التقنيات الحديثة، والإجابة حول صعوبة تنفيذ المحركات الهيدروجينية، هي نعم، ولكن هل هو ممكن؟ نعم، إنه ممكن بالتأكيد. إننا على وشك إجراء تجربة مذهلة، أكثر ما يزيد من حماستي فيها، هو الاختراعات التي ابتكرناها لمواجهة التحديات الماثلة".