"سألها الصحفي: لماذا لا يوجد لدينا مُفكرة سعودية!؟

أجابت: وهل يوجد لدينا مُفكر سعودي!؟ أعطني مفكرا واحدا من الإسلامويين أو ممن يسمون ليبراليين؛ في قامة محمد عبده أو علي عبدالرزاق أو جورج طرابيشي أو محمد أركون أو محمد عابد الجابري أو علي حرب !".

استقطعت ما سبق، من حوار صحفي مستنير مع الصديقة العزيزة الدكتورة حسناء القنيعير أجراه معها الزميل الصحفي طامي السميري؛ ونُشر في ثقافية صحيفة الرياض من أسبوعين؛ فهل لدينا فعلا مفكرون سعوديون ؟! إن كان؛ فهم أقل من أصابع اليد الواحدة، في مجتمع فيه أكثر من خمسة وعشرين مليون نسمة!! وعاش حقبة تاريخية ممتدة؛ ولم ينتج سواهم في ظلّ إنجابه المتدفق لآلاف "الحفظة"؛ أمّا البقية المدعية للفكر والتنظير الحرّ؛ فباحثون عن بطولات في شخصنة مشاريع غير ناضجة أشبه بالأجنّة الخديجة يلحقها الموت سريعا؛ بدليل عدم تأثيرها في الوعي الاجتماعي! فمشاريعهم مجرد "حكايات" تثرثر بها مجموعة من أمثالهم؟!

فما الذي يُعطل إنتاج ولادة مفكر لدينا؟! هل هي ظروف المجتمع "الذكوري" الذي عاش طويلا متكئا على فكر الإقصاء والتكفير والتخويف بالطرد من رحمة الله والعباد!؟ قد يكون هذا سببا محرضا للدفع بوجود مفكرين يحركون الأسئلة الكبرى! مع ذلك لم تنجب البيئة سواهم؛ لماذا!؟ ببساطة؛ يمكن معرفة ذلك لو أدركنا كنه إجابة السؤال: هل لدينا مثقف ناضج فكريا؛ لا يعاني من أنفلونزا "الازدواجية" يُمكن الاستنبات منه مفكرا له مواقفه الحقيقية؛ الممكنة لإنجاز مشروع مؤثر في وعي المجتمع وخطابه الذكوري؛ خاصة في قضايا المرأة التي تعتبر جُل إن لم تكن جميع مشاكل المجتمع منها!؟ فلن يصلح مجتمع ما لم يصلح خطابه "الذكوري" لإعادة الوعي بقضايا نصفه!

وبصراحة؛ رغم الحراك الثقافي وكثرة "المتثاقفين" فإن قضايا المرأة السعودية مُعطلة لا تبارح مكانها؛ وإن بارحته فببطء أو بتواضع وبتدخل رسمي؛ فيما تبقى قضاياها الساخنة؛ كحقها في التنقل بالسيارة وحقها الصحي في ممارسة الرياضة وحقوقها المدنية مصادرة بحجة عدم أهليتها معلقة بين "المتصارعين" من تيارات متزاحمة ومنشقة؛ وجُلّ هؤلاء ممن ينظرون في قضاياها يأخذهم الغرور ليظن الواحد منهم أنه قادر على إعادة الوعي في الخطاب الاجتماعي "الذكوري"، لمجرد تعزيزه لخطابه أو تأييد قضية لها؛ بينما يفضحهم خطابهم ذاته على أنهم مجرد "ذكور مُستفحلة" يعززون من ذكورية الخطاب الذي يتبرؤون منه؛ سواء كانوا من الإسلامويين أو من مدعي الليبرالية؛ ففي النهاية؛ هؤلاء وهؤلاء وجهان لعملة واحدة ما لم يكونوا صادقين؛ وينتصرون لـ"الكرموسومات الأنثوية " في فطرة الحياة الإنسانية لا في أجسادهم فقط.

إنه مأزق "فحولي" للمثقف السعودي المتشبع بخطاب مجتمعه الذكوري!! إلا "من رحم ربي منهم"، ورغم أنه في أطروحاته يلح كـ"مسخف" أقصد "مثقف" للارتقاء بالخطاب الإنساني في تعزيز "النسوية"المقصاة؛ إلا أن "فحولة التفكير" تأبى وتفضح "نفاقه الذكوري" الهارب منه؛ ولم أجد نموذجا أفضل من مقالتين منشورتين في ملحق ثقافية الجزيرة للأستاذ الناقد خالد الرفاعي حاول فيهما قراءة الخطاب "النسوي" لثلاث كاتبات مثقفات سعوديات! كيف!؟ غدا نكمل.