في الحديث عن أزمات العالم المناخية والاجتماعية، دائمًا ما يتم التركيز على الجانب (الأخضر) من المعادلة. حيث يسقط المحيط وتنسى الثروات البحرية، لأنه عالم ننتفع منه ولا نعيش فيه. أو كما عبر عن ذلك ممثل الأمم المتحدة السيد أنتوني جيتيرز في مؤتمر المحيط 2022 قائلًا إننا نمر اليوم في ما يمكن تسميته بحالة طوارئ المحيط. مما يعزز من الحاجة الملحة لاتخاذ خطوات جادة لدعم أهداف التنمية المستدامة وبالأخص الهدف رقم 14 (الحياة تحت الماء). من هنا تم تسليط الضوء على مفهوم السياحة الزرقاء. والذي يتضمن السياحة وإدارتها حيث يمكن ممارسة الأنشطة البحرية المختلفة بطريقة مسؤولة تسهم في بناء المجتمعات وحماية البيئة والثروة البحرية، وتنمية الاقتصاد. بالإضافة إلى جهود البحث والتطوير المستمر والمشترك بين مختلف أطراف العلاقة على المستوى المحلي، الوطني، الإقليمي، والدولي.

تعتبر السياحة البحرية والشاطئية بأنواعها المختلفة جاذبة للكثير حول العالم. حيث تشكل عاملًا اقتصاديًا مهمًا للكثير من الدول، كما أن القطاع يشهد نموًا مستمرًا من المتوقع أن يصل إلى 6.7% بحلول 2026. مما يتسبب بشكل مباشر وغير مباشر في ضرر بالغ على البيئة. من هنا تأتي الحاجة لترويج ممارسات سياحية أكثر مسؤولية واستدامة في المناطٍق الساحلية وتحت البحر، مما يضمن تأثيرًا إيجابيًا في المجتمع والثقافة المحلية، البيئة، العاملين في السياحة البحرية، والاقتصاد. تأتي أهمية الحديث عن السياحة الزرقاء في هذا التوقيت تحديدًا، لما يشهده العالم من تعافي لقطاع السياحة بعد ما مر به من أزمة خلال جائحة كوفيد19. حيث تمثل النفقات الهائلة وخطط إعادة الإنعاش فرصة نادرة للعمل الجاد على تغيير صناعة السياحة وجعلها أكثر استدامة. كما يشكل قطاع السياحة فرصة جيدة للحكومات والمؤسسات الكبرى لوضع أهداف حماية البيئة في حيز التنفيذ من قبل الأفراد والمؤسسات. مما يضمن الممارسات التي تعزز الحفاظ على التنوع البيولوجي وما يصاحبه ذلك من زيادة الجاذبية السياحية من خلال تطوير المتنزهات الوطنية، المحميات الطبيعية، وغيرها من المناطق المحمية ويشمل ذلك السواحل.

الاقتصاد الأزرق وهو ما يربط جميع الأنشطة الاقتصادية ذات العلاقة بالبحر كالسياحة البحرية والشاطئية، النقل البحري، والصيد. ما زال مرحبًا بجميع الحلول التي من شأنها تطوير القطاع بشكل أكثر استدامة، حيث يتشارك جميع الأطراف في البنية التحتية، اللوجستيات، ومصادر الطاقة. من المهم محاولة وضع حلول من خلال السياحة الزرقاء كأحد مكونات الاقتصاد الأزرق على تقليل الآثار الكارثية للفقر وتغير المناخ. مما يدعو للمحافظة على الموارد الطبيعية، المادية، والثقافية كأساليب الحياة المختلفة والتي تعتمد على البحر في تشكيلها. تركيز السياحة الزرقاء على البيئة البحرية يجعل مناقشة حلول مستدامة لها باستمرار في بالغ الأهمية. من ذلك تعزيز الترويج للأنشطة البحرية التي تسهم في المحافظة على البيئة كالغوص من أجل تنظيف قاع المحيط. حيث يبادر السياح هنا لفعل ذلك بدافع المحبة والشغف، ويسهم بشكل كبير في تقليل التأثيرات السلبية على البيئة البحرية. كما أن من مهام التسويق السياحي العمل على استراتيجيات مستدامة تسهم في التأثير على سلوك السائح وجعله أكثر مسؤولية.


الشعاب المرجانية وأشجار (المانجروف) هم أحد ثروات البحر الأحمر، ومصادر مهمة للتطوير السياحي، حيث تعد أماكن تواجدهم موطن للعديد من الكائنات الحية التي تشاركنا العيش على كوكب الأرض. كما يعد البحر الأحمر وجهة مهمة لمحبين السياحة البحرية من حول العالم وذلك لما يحويه من ثروات طبيعية. حيث يشير بحث نشر في 2022، إلى أن البحر الأحمر يقصده أكثر من 1.2 مليون سائح سنويًا، كما يسهم بدخل أكثر من 1.2 مليار دولار، ويوفر في مجمله عدد وظائف يقارب الـ 275 ألف وظيفة. إضافة لذلك، يعد البحر الأحمر جاذبًا للكثير من المستثمرين أفرادًا ومؤسسات، حيث انتعشت عليه السياحة الشاطئية تحديدًا لأسباب الجو الدافئ طيلة العام واعتدال حركة الأمواج. ولكن، تواجه منطقة البحر الأحمر العديد من التحديات التي تتطلب تطويرًا وتطبيقًا لنهج الاقتصاد الأزرق. حيث توجد العديد من المناطق الساحلية الغنية بالموارد الطبيعية والتي ما زالت بحاجة للتطوير، التلوث الناتج عن البنية التحتية والخدمات السياحية، بالإضافة إلى ضمور الحياة حول الشعاب المرجانية وتدميرها. للتحديات السابقة، تعد سواحل البحر الأحمر من أهم المناطق المهم الحفاظ عليها وإخضاعها لسياسات مستدامة.

تحت شعار (السعودية الزرقاء)، أبدت المملكة بقيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان اهتماما ورغبة واضحة في تطوير التعاون الإقليمي والدولي لدعم الهدف رقم 14 (الحياة تحت الماء)، ومنه ما نشر في مؤتمر المحيط، وحوار الرياض الأزرق والذي تلخص في نقطتين. الأولى هي إدارة وحماية والحفاظ على البيئة البحرية والساحلية. والأخرى هي دعم وتشجيع المعرفة العلمية وتطوير القدرات البحثية، ونقل التقنية البحرية. تتماشى هذه الأهداف مع رؤية المملكة 2030 والتي تحوي كذلك على العديد من الخطط و الاستراتيجيات التي تصب في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. كما تهم الإشارة إلى جهود شركة البحر الأحمر الدولية والتي أعلنت عن خطط تطويرية على امتداد ساحل البحر الأحمر، بشعار يضع الإنسان والطبيعية أولوية أعمالهم.

بالمختصر.. كفرد، كل ما عليك فعله أثناء ممارستك القادمة لأنشطة السياحة البحرية هو التصرف بمسؤولية أكثر واستشعار بأن البحر ملك الجميع بما في ذلك الكائنات التي لم نكتشفها بعد. حافظ على نظافة الشاطئ، لا تقترب من المرجان، اترك السلاحف تمضي بسلام، التزم بتعليمات المنتجع، وتجنب صيد ما لست بحاجته. ولا تنس دائمًا أن البحر عالم مختلف، نحن ضيوفه. ومن واجب الضيف أن يحترم أهل البيت.