وفقًا لرؤية الدكتورة الدوسري، أسهمت التقنيات الحديثة في استثمار الساسة للغة كأداة حرب، أو وسيلة لتدبير الشأن السياسي بمعزل عن المواجهات العسكرية، وأثبتت فاعليتها. عليه، تناولت الدوسري، ماهية وبنية الخطاب السياسي السعودي منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله، إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، مرورًا بوزراء الخارجية، الوزير سعود الفيصل والوزير عادل الجبير. اعتمدت في عملها مبادئ النظريات الحجاجية الحديثة، بدءًا من البلاغة الجديدة والحجاج اللغوي، إلى الظواهر الحجاجية الأسلوبية ومظاهر الحجاج، انطلاقًا من إستراتيجيات المخاطِب، التي تنتقي أساليب الحجاج وتنظمها، لا سيما في الأزمات.
بُنية الخطاب وصِيغ التخاطب
استنتجت الدكتورة رفعة الدوسري في الكتاب، أن الخطاب السياسي السعودي ينهض على إستراتيجيات حجاجيه مخصوصة، تؤسس للتقاليد الأدبية في صناعة الخطاب السياسي السعودي، عبر العهود السياسية الستة، والتي هي بلا شك، محصلة لفن من فنون الكلام في الحقل السياسي، فهي آلة اشتغال الخطاب وسمته المميزة.
تضمن الفصل الأول من الكتاب، دراسة لبنية الخطاب من خلال النظر إلى صيغ التخاطب وكيفياته، وكفاءة المخاطبين إضافة إلى المنجز الوظيفي للخطاب، حيث كشف هذا الفصل عن نمط خاص، اختطه الساسة السعوديون في مقامات مخصوصة، مما يعني أن الساسة السعوديين أعادوا ضبط مفهوم المقام في الحقل السياسي، بوصفه أداة؛ فضلاً عن أن يكون عنصرا. كما أعادوا ضبط مفهوم الخطاب بوصفه ممارسة متغيرة وليس نظاما ثابتا.
الخُطب السياسية وحُججها
سلط الفصل الثاني من الكتاب الضوء على أنواع الحجج التي اعتمدها الساسة السعوديون في خطبهم السياسية، كاشفا عن عدة قوالب حجاجية استثمرها استعمالاً الساسة السعوديون في السياق السياسي، نحو الدحض والتعريض والهزء، عوضا عن استثمار النصوص القانونية، وذلك لأسباب منها ما يتعلق بالقضية المعنية وموقف المجتمع الدولي منها.
بينما سعى الفصل الثالث من الكتاب وفقًا لما أوردته الدوسري، إلى إثبات أن الحِجاج لا يقوم فقط على مبدأ الاستدلال والبرهان، والعمليات المنطقية والفلسفية، بل يتجاوز كل هذا، إلى البنى الصغرى في الكلام والتي تمثل المستوى الخطابي ومظاهر انسجامه وإفهامه. إضافة إلى ذلك، كشف هذا الفصل، عن مسألة تعويل الخطاب السياسي السعودي على الوحدات الصغرى في الخطاب، لقدح الاستلزامات، وصناعة التوجيه، وتوفير فضاء منسجم لحشد الحجج وتنظيمها. الأسلوبية والإجرائية استقرأت الدكتورة الدوسري من خلال الفصل الرابع ملامح الساسة السعوديين، ومواقعهم ونزعاتهم ومقاصدهم الضمنية، من خلال النظر في أعلى مستويات المنجز السياسي لديهم، متمثلاً بـ (الأسلوب). وعرّجت على موضوع الكفاية الإستراتيجية للأسلوب بوصفه أداة حجاجية، والكفاية الإجرائية للأسلوب بوصفه أداة لمقاربة الخطاب السياسي من أجل الكشف عن ظواهر الخطاب الأسلوبية الواسمة لمظاهر الحجاج، إذ تواتر العدول من الخبر إلى الإنشاء، ومن الاسم إلى الصفة، في معارض مخصوصة، سيما في معارض الحديث عن القضية الفلسطينية، التي تعد مشغلا رئيسا من مشاغل الخطاب السياسي السعودي، فهي القضية الأكثر دورانا في خطاب الساسة السعوديين عبر عهوده السياسية الستة.
الدكتورة رفعة الدوسري:
* حاصلة على شهادتي الماجستير والدكتوراه في مجال تحليل الخطاب السياسي.
*متخصصة في أبحاث الدراسات اللسانية في الحقل الخطابي السياسي السعودي.
إصدارات:
*«الحجاج في خطب الملك فيصل السياسية»
*«الحجاج في الخطاب السياسي السعودي».