في الوقت الذي يرتعد فيه كثيرون منا رعبا إذا ما فكروا أن يحكوا لمن يعرفهم عن هم يطاردهم أو يقروا أمامه بخطأ ارتكبوه، أو حتى يفكروا أن يكتبوا ولو تغريدة من حسابهم الرسمي خشية أن يسقطها كثيرون على أوضاعهم وأفكارهم وحتى أحوالهم الشخصية، وخشية أن تضعهم فضفضفتهم فيها في خانة الاتهامات والتأولات، قال فيلسوف وأديب صيني «‏أين عساني أجد شخصًا قادرًا على نسيان الكلمات كي أتمكّن من التحدث معه؟»، وهي مقولة توافقت مع دراسة أكدت أن الفضفضة للغرباء غالبًا ما تكون مريحة لأسباب كثيرة.

ويشير عادل الضويحي وهو طالب جامعي إلى أنه كان موفور الحظ ذات يوم حين جمعته الصدفة بغريب يتقن مهارة الإنصات، وقال «مضى زمن الرحلة في فضفضة طويلة مني مع ذلك الغريب الصبور، تحدثت إليه بأريحية لأنه لا يعرفني، وكان من بلد غريب أيضًا، فشعرت أنه يمكنني أن أقول كل شيء أمامه دون تحفظ، وأحسست بالسعادة، وتخلصت من كثير من الهموم مع حديثي إليه، كأنني أودعت لديه همومي ورحل بها بعيدًا عني».

أما أم بدر وهي سيدة أربعينية فتقول «عند الفضفضة لا تحتاج إلا لأشخاص غرباء، نحنُ في زمن الغريب القريب والقريب الغريب».


وعلّلت «كثيرة هي المشاكل التي أعمد للفضفضة بها لغريبات وأحصل على المشورات والنصائح دونما التدخل بالتفاصيل التي قد تؤثر على قراري بحكم معرفتهم بها».

قوة الاتصال النادر

في عام 1973 وضع عالم الاجتماع في جامعة ستانفورد، مارك جرانوفيتر، نظرية بعنوان «قوة الروابط الضعيفة».

وقد عرّف الروابط الضعيفة بأنها «ذلك النوع من العلاقات الاجتماعية التي تتسم بالاتصال القليل والنادر، مع غياب القُرب العاطفي، وعدم وجود تاريخ من الخدمات المتبادلة».

وقد رأى جرانوفيتر أننا نعتمد على الروابط القوية (دائرتنا الداخلية) للحصول على الدعم، وعلى الروابط الضعيفة (معارفنا) للحصول على المعلومات.

تخطي الخجل

توضح أخصائية الطب النفسي الدكتورة هدى البشير أن الفضفضة للغرباء ترفع الحرج والخجل عن التحدث ببعض الأشياء التي قد يحتاج الشخص إلى شرحها بدقة للغريب، بينما لا يكون بذات القدر من الارتياح مع القريب، وتقول «من هنا يمكن أن نفهم الأريحية المرء حين يتحدث عن مشكلة وعن ملابستها بالكامل دونما تحفظ مع غريب».

وتشير إلى أنه «لا يمكننا أن نتجاوز أثر الفضفضة الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي تدخل ضمن نطاق الفضفضة للغرباء، وذلك هربًا من ثقافة اللوم والنقد في حال كانت تلك الفضفضة لقريب».

وتبين أن «الفضفضة مع الآخرين خاصة الغرباء ليست من أجل الوصول إلى الحل، وإنما للإحساس بالارتياح، فالجميع يشعر بالارتياح حين يتحدث ويُخرج ما بداخله، وهي بمثابة علاج نفسي تمامًا».

وتنهي بالإشارة إلى أن «غياب الفضفضة هو سرّ جميع الأمراض النفسية التي تبدأ بالقلق وتنتهي بالاكتئاب».

دعم الدردشة

نشرت مجلة «Addictive Behaviors» دراسة شارك فيها دار ميشي الأستاذ المساعد في قسم الإعلان والعلاقات العامة في جامعة ولاية ميشيجان، ومورجان إليثورب الأستاذ المساعد في قسم الاتصالات في جامعة ديلاوير، شملت استبانة أُجريت على 403 من الطلاب الجامعيين من ذوي الاستخدام الإشكالي لوسائل التواصل الاجتماعي لتحديد درجة الدعم الاجتماعي التي تلقوها من خلال الفضفضة للغرباء على وسائل التواصل الاجتماعي، و تلك التي يحصلون عليها من قبل محيطهم المجتمعي.

ويقول دار ميشي «أردنا مقارنة الاختلافات بين الدعم النفسي الواقعي والدعم المُقدَّم عبر وسائل التواصل الاجتماعي لمعرفة ما إذا كان الدعم المُقدَّم عبر وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يكون له آثار مفيدة، وكانت النتيجة أنه في حين أن الدعم الذي تُحقِّقه وسائل التواصل الاجتماعي لم يؤثر سلبيًا على الصحة العقلية، فإنه لم يؤثر عليها أيضًا إيجابيًا، وقد يكون شعور الارتياح الذي يحققه مجرد شعور وقتي دونما وصول إلى حل المشكلة».

الخشية من معرفة الأسرار

ترى فاطمة العثمان، وهي متخصصة علم اجتماع أن «كثيرًا من الأشخاص يلجؤون إلى الغرباء خاصة في الفضفضة التي تمس الأمور الشخصية وذلك تحت تأثير الخجل الاجتماعي والخشية من معرفة بعض الأسرار التي لا يمكن إفشاؤها للقريب».

وتتابع «يحدث في الغالب أن يكون هناك خجل اجتماعي لدى بعض الأشخاص، وبالتالي فهم بحاجة إلى إيجاد الشخص المناسب والموثوق به حتى يفضفضون له».

وتكمل «مع ذلك، فالفضفضة للغرباء سلاح ذو حدين، قد تكون مفيدة، لكنها كذلك قد تسيء إلى صاحبها، فقد يبوح المرء بأسراره إلى شخص غير مناسب، مما يوقعه في مشاكل لا حصر لها».