قال رئيس مؤسسة جائزة البابطين للإبداع الشعري عبدالعزيز البابطين "إن المؤسسة تؤمن بأن الشعر والحوار في أرفع تجلياتهما هما من نبع واحد، فالشعر العظيم هو انطلاقة للروح من قيودها ومن تضاريس الواقع الخانقة إلى آفاق لا نهائية، حيث يمتزج الحلم بواقع جديد أكثر إشراقا وشفافية، وقد رأت المؤسسة أن تجمع بين الشعر والحوار لنكوّن من هذين الجذرين شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وقصدنا أن يرقى الحوار بالشعر إلى ملامسة الهم الإنساني العام، وأن يسند الشعرُ الحوارَ ليصبح ثقافةً يتبناها الجميع".
وأكد في كلمته خلال حفل افتتاح ملتقى "الشعر من أجل التعايش السلمي" الذي رعاه حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم صباح أمس في دبي أن منهج الحوار ينطلق بالناس من الخنادق التي حفرت لهم، والكهوف التي حشروا فيها إلى الفضاء الإنساني العام، حيث السلام والأمن والاحترام للجميع، مضيفا أن الشعر الخالد تهذيب للنفس وترقية للذوق لكي يصبح الإنسان في رهافة الوردة، وفي صفاء الضوء. كما أن الحوار ينزع من الإنسان أنياب أنانيته وأظافر حقده، يقتل فيه المدنِّس قابيل، ويحيي فيه المقدَّس هابيل. ونحن في دعوتنا إلى الحوار لا نأتي بجديد، فتراثنا حافل بهذا النهج، فالقرآن الكريم يحثنا في التعامل مع المختلف دينا (وجادلهم بالتي هي أحسن).
وبين البابطين "نحن نطمح في هذا الملتقى الذي يمثل نخبة من المثقفين والسياسيين والإعلاميين والأدباء وفدوا من مختلف القوميات والبلدان، ويمثلون الأديان والمذاهب على تعددها أن نؤكد وحدة الإنسان (كلكم لآدم) في وجه كل من يعملون على تقسيمه طوليا أو عرضيا، ونأمل أن تبقى الكلمة في وجدان الشاعر والإعلامي طاهرة مقدسة تجنح إلى تأكيد التآلف والتفاهم وقبول الآخر، وتسعى إلى نزع الألغام من نفوس البشر ومن أرض الواقع.
وتعزيزا لهذا النهج الذي سلكته مؤسسة البابطين في كل ملتقياتها عبر تكريم أحد الرموز الإنسانية التي ساهمت في إرساء قيم التفاهم والتسامح بين الشعوب، أصدر مجلس أمناء مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري قرارا بتكريم الرئيس السوداني السابق عبدالرحمن سوار الذهب في هذا الملتقى، باعتباره الرئيس الذي خرق للمرة الأولى قاعدة "الرئيس إلى الأبد" وكان له دور كبير في تعزيز قيم السلام والتسامح والتفاهم بين مكونات المجتمع البشري.
من جانبه اقترح نائب رئيس البرلمان الأوروبي جياتي بيثيلا على الشاعر ورجل الأعمال، عبدالعزيز البابطين، تأسيس معهد أوروبي عربي في روما، للمساهمة في تحقيق السلام، والانتباه إلى الثقافات على أرض الواقع، بما في ذلك اللغة العربية كلغة حوار بين الثقافات، من خلال دورات تدريبية ومشاركات من جيل الشباب. أنا هنا اليوم، لقناعتي بجدوى الحوار، وقيمة الثقافة، والفن، والأدب، كجسور للسلام والاحترام. أنا هنا اليوم، لقناعتي بالتعاون المتبادل والمشترك بين الغرب والشرق، الجنوب والشمال، لقناعتي بعالم أكثر انفتاحا حيث تجد المعاهد والمؤسسات والهيئات الأوروبية، أصدقاء وشركاء يعتمد عليهم في البلدان العربية. وجودي اليوم هنا، لأني أرى في مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، أحد هؤلاء الشركاء والأصدقاء.
وتابع جياتي "إن اتساع الاتحاد الأوروبي، والعولمة والهجرات والتحرر من قوانين العمل ساهمت في زيادة التعدد الثقافي لأوروبا، لتضيف إلى خلفية الثقافات المتواجدة في القارة، ونتيجة لذلك نجد أن الحوار بين الثقافات بدأ يأخذ حيزا أكبر من الاهتمام، ويلعب دورا بارزا في تعزيز المواطنة الأوروبية، وكذلك إدراك ضرورة النظر خارج الحدود.
إلى ذلك، انطلقت عصر أمس جلسات الملتقى حيث قال الدكتور عبدالله التطاوي في ورقته بعنوان "حضور الآخر في الشعر العباسي": إن شعرنا العربي قد اكتسب تواصله نوعا أدبيا على مدار حركة عصور التاريخ من خلال ذاتيته باعتباره تعبيرا مباشرا عن مبدعيه؛ الأمر الذي يحتاج الكثير من المراجعات المنهجية الدقيقة عبر استقراء النماذج الفنية، واستقصاء مواد الإبداع بما يحكي فصولا مما في شعرنا العربي من مكونات أخرى طالما ضمنت له التواصل والبقاء، مع تطور – كان لا بد منه – في كل مرحلة من مراحله التاريخية طبقا لمواصفات الإقليم وطبائع مبدعيه.
وأضاف بأن جانبا من ذلك ظهر جليا في انعكاسات أشكال الصراع البشري الذي يلوذ به كثيرا نقاد المسرح بوصفه ضمانا لتفسير بقائه منذ بواكير المسرح اليوناني حتى الآن، باعتبار الصراع نسقا وشكلا لا يخلو منه مجتمع (ما) في زمان (ما) سواء على مستوى الصراع الداخلي للمبدع بين حقوقه وواجباته، أو في صراع الإنسان مع الطبيعة أو قوى الكون، أو حتى في صراع الإنسان مع أخيه الإنسان على المستوى الطبقي الاجتماعي أو المستوى الفكري أو العقائدي أو الأخلاقي أو غيره من صور الصراع الداخلي بين الإنسان وذاته من منظور العقل والعاطفة.