فمنذ أن نشرت رواية «الساحة»، بدأ صعودها الاجتماعي، إذ شكلت أعمالها - بحسب نقاد - (المفتاح، لما عرف في ما بعد باسم تيار «التخييل الذاتي»).
اليوميات الحميمة
تتركز كتابة إرنو على سبر أغوار الحميمي، أكان ذلك عبر شكل الرواية «الأوتوبيوغرافية» (السيرة الذاتية) أو عبر شكل «اليوميات»، إذ تخلت - أيضا وفقا لنقاد - عن كتابة القصة المتخيلة التقليدية، لتركز على تلك «الرواية، المستمدة أحداثها» من سيرتها، حيث تتقاطع فيها التجربة التاريخية مع التجربة الفردية. ففي كتابها (الحدث) تتناول موضوع الإجهاض والموقف الاجتماعي منه، متصلا بالقانوني وبلغة خالية من أي تزيين أسلوبي أو ادعاءات وتكلف، وهي خاصية تتمتع بها إرنو ومثلت أحد أهم سماتها الكتابية، ربما يعتبره البعض أشبه بأسلوب «اليوميات الحميمة»، معتمدة الأسلوب الذي يذهب مـبـاشـرة إلى الأساسي/ الحميمي، بلا تعقيدات أو التفافات، ما يفتح حقولا متعددة للقراءة الخاصة أمام القارئ.وهو ما عبر عنه جان بيرس بقوله: (أصبحت تظهر بشكل أوضح في كتبها الأخيرة، وهي تقدمها ضمن حقل العلاقة ما بين الكائن الفرد والكتابة. لا نغالي لو قلنا إن الذين سبقوها إلى الغوص في هذا الحقل، لم يذهبوا عميقا في الأمر، مع هذه الرغبة في عدم ترك أي شيء مخفي في الظل. كذلك نجد أن الذين سبقوها، لم يخاطروا كثيرا في عرض ذواتهم الداخلية أمام الجميع، على هذه الدرجة من التعرية، وبالمعنى المزدوج للكلمة).
التسطيح والفجاجة
في (الحدث) ترجمة سحر ستّالة ومراجعة: محمد جليد، تتناول إرنو علاقة غرامية من دون أن تخفي أي مظهر من مظاهرها، بحرفية دون أن تسقطها في الفجاجة والقسوة، خاصة ونحن حيال (حدث) مروع تتباين وتتضارب حوله آراء وموافقات المجتمع، منقسمة بين ما هو إنساني وأخلاقي وتشريعي وعاطفي، فالإجهاض ظل ولا زال يمثل معضلة وحلقة عالقة إلى الآن في معظم أنحاء العالم، بين ما هو مسموح به بالمطلق وبين ما هو مجرم بالمطلق أيضا، وبين ما هو مباح وفق تشريعات ومعطيات وتحفظات واعتراضات ومتطلبات، طبية بالدرجة الأولى، تختلف من مكان لمكان ومن مجتمع لمجتمع ومن بلد لآخر، وهذا ما تعالجه إرنو في عملها بسلاسة وعذوبة، وانسيابية لا توقعه في التسطيح والفجاجة كما سلف.مقطع من ( الحدث)
بدأت كتابة هذه القصة منذ أسبوع من دون أي يقين بمتابعتها. كنت أريد فقط أن أتأكد من رغبتي في الكتابة عن هذا الحدث. هي رغبة ظلت تجتاحني باستمرار كلما انكببت على تأليف الكتاب الذي أشتغل عليه منذ سنتين. ظللت أقاوم دون أن أقوى على منع نفسي من التفكير فيه. كان الاستسلام لهذا الشعور يبدو لي مفزعاً. لكنني كنت أقول في قرارة نفسي أيضاً إنني قد أموت دون أن أكون قد فعلت شيئاً بهذا الحدث. إذا كان ثمة خطأ ما، فهو ذاك. ذات ليلة، حلمت أنني أمسك بيدي كتاباً ألفته حول إجهاضي، إلا أنه يصعب العثور عليه في أي مكتبة، ولا ترد له أي إشارة في أي دليل. كتب بأحرف بارزة، أسفل الغلاف، كلمة: مرهق. كنت أجهل ما إذا كان هذا الحلم يجب أن أكتب هذا الكتاب أم أنه لا جدوى من بین أنه يعني فعل ذلك.كان الزمن، مع هذه القصة، هو الذي بدأ يمضي ويجرفني معه رغماً عني. صرت أعرف الآن أنني عازمة على الذهاب حتى النهاية مهما حصل، بالطريقة ذاتها التي نهجتها وأنا في سن الثالثة والعشرين عندما مزقت شهادة الحمل.
إذا كانت روايات كثيرة تتحدث عن الإجهاض، فإنها لم تكن تقدم بعض التفاصيل حول الطريقة التي جرى بها ذلك تحديداً. فبين اللحظة التي تكتشف فيها الفتاة أنها حامل واللحظة التي لم تكن فيها كذلك، ينقص شيء ما. بحثت في المكتبة عن الملف المتعلق بكلمة «إجهاض». لكن المراجع التي وجدتها لم تكن تخص إلا المجلات الطبية. أخرجت مرجعين هما: السجلات الطبية - الجراحية ومجلّة علم المناعة. كنت آمل أن أعثر على معلومات عملية، لكن المقالات لم تكن تتحدث إلا عن تبعات «الإجهاض الإجرامي». وهذه لا تعنيني.
ما عشته، هناك سبب أنا واثقة منه أكثر من أي شيء آخر: الأشياء حدثت لي كي أدرك معناها ولعل الهدف الحقيقي في حياتي هو فقط التالي: أن يتحول جسدي وحواشي وأفكاري إلى كتابة، أي إلى شيء ما واضح وشامل، إلى وجودي الذائب بأكمله في أذهان الآخرين وحياتهم.
آني إرنو
* روائية فرنسية معاصرة*أمضت شبابها في «إيفيتو»بمنطقة النورماندي
* حائزة «الأغريغاسيون» في الآداب الحديثة
* مارست التدريس في «أنيسي» و«بونتواز» حتى عام 1977
*تعيش اليوم في «سيرجي» بمنطقة «لو فال دواز»
*فازت روايتها «الساحة» بجائزة «رونودو» (1984)
*صدرت روايتها الأولى «الخزائن الفارغة» عام 1974